وراثة الأرض في القرآن الكريم والكتب السماوية .

علاقة القرآن الكريم بالكتب السماوية:
العلاقة الثالثة: هيمنة القرآن على الكتب: 
كلمة (مهيمن) تطلق في الأصل على كلّ شـيء يحفظ ويراقب أو يؤتمن على شـيء آخر ويصونه [(مجمع البحرين/ الطريحي ٦: ٢٤١)] ، ولمَّا كان القرآن الكريم يشـرف في الحفاظ على الكتب السماوية السابقة وصيانتها من التحريف إشرافاً كاملاً، ويكمل تلك الكتب، أُطلق عليه وصف الهيمنة [(تفسير الأمثل/ مكارم الشيرازي ٤: ٢٥)] حيث تقول الآية: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (المائدة: ٤٨).
مظاهر هيمنة القرآن على الكتب السماوية [(تصديق القرآن للكتب السماوية وهيمنته عليها/ إبراهيم عبد الحميد سلامة: ٨٥)] :
لهيمنة القرآن على الكتب السماوية المنزلة قبله مظاهر متعدِّدة، منها:
١ _ إنَّ القرآن الكريم أخبر بالتحريف الذي أصاب هذه الكتب (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (النساء: ٤٦)، (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) (المائدة: ١٣)، وأنَّها لم تبقَ على ما كان مفروضاً فيها من الثقة بها وحقّية كلّ ما فيها، بل تناولتها أيدي أهل الكتاب بالتحريف والتبديل حيث كتبوا بعض النصوص بأيديهم ونسبوها إلى الله زوراً وبهتاناً (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة: ٧٩)، وتناولوا ما بقي منها بالتأويل الخاطئ.
٢ _ بيَّن القرآن الكريم المسائل الكبرى التي خالفوا فيها الحقّ واختلفوا فيها، كقضيّة رفع نبيّ الله عيسى المسيح عليه السلام وبيانه أنَّهم لم يصلبوه ولكن شُبِّه لهم (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَـى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (النساء: ١٥٧).
٣ _ من مظاهر هيمنة القرآن الكريم على الكتب السابقة نسخه لأحكامها لكونه حاكماً عليها [(ظ/ تفسير الوسيط/ طنطاوي: ١٢٨٦)] ، (ويعيِّن أحكامَها المنسوخة ببيان انتهاء مشـروعيتها المستفادة من تلك الكتب وانقضاء وقت العمل بها، ولا ريب في أنَّ تمييز أحكامها الباقية على المشـروعية أبداً عمَّا انتهى وقت مشروعيته وخرج عنها من أحكام كونه مهيمناً عليه) [(إرشاد العقل السليم إلىٰ مزايا الكتاب الكريم/ أبو السعود ٢: ٢٤٨)] .
ومعنى أنَّ القرآن الكريم حاكم على الكتب السماوية يدلُّ على أنَّه المرجع الفيصل فيما ورد في تلك الكتب من الأصول والفروع من جهة، ولكي تكون حجَّة على المسلمين تحتاج إلى تصديق القرآن الكريم لها وإلَّا فلا حجَّة لها إلَّا على أهلها من جهة أُخرى.
ولعلَّ القارئ سيجد في البحث كلاماً عن وراثة الأرض وما يتعلَّق بها في المنظور القرآني أكثر منه في منظور كتب العهدين القديم والجديد؛ وهذا يرجع لكون القرآن الكريم مصدِّقاً ومفصِّلاً لهما ومهيمناً وحاكماً على ما جاء فيهما.
*     *     *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رقعة لقضاء الحاجة

دعاؤه عليه السلام في الصلوات على النبي وآله (عليهم السلام) .

دعاؤه عليه السلام في الشدائد والمهمات المسمى بدعاء العلوي المصري.