التمسّك بالمرجعية في زمن الغيبة الكبرى

الوظيفة الثانية: التمسّك بالفقهاء والعلماء:
 والملاحظ عند التدقيق في سيرة أهل البيت عليهم السلام، وبالأخصّ ما جاء عن الأئمّة المتأخّرين عليهم السلام ابتداءً بإمامنا الجواد وانتهاءً بإمامنا العسكري عليهم السلام، هو دورهم الواضح والكبير في التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام باعتبار أنَّها ظاهرة جديدة غير مألوفة للشيعة الذين اعتادوا علىٰ أن يكون الإمامُ بين أيديهم.
 ومِنْ جملة الإعدادات التي ركَّز عليها الأئمَّة المتأخّرون عليهم السلام: تحديد المرجعية الدينية التي يرجع إليها الناس في أُمور دينهم في زمن غيبة الإمام المهدي عليه السلام.
 والروايات في هذا الشأن _ أعني تركيز الأئمَّة عليهم السلام علىٰ الفقهاء ودورهم _ كثيرة ومتعدّدة، ويمكن تصنيفها إلىٰ طائفتين:
الطائفة الأُولىٰ: الروايات التي تتحدَّث عن فضل  العلم والعلماء علىٰ نحو العموم دون أن تتحدَّث عن فترة زمنية خاصّة يمرُّ بها العلماء.
 منها: صحيحة القدّاح، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء)(الكافي ١: ٣٤(.
 وعنه عليه السلام: (الراوية لحديثنا يشدُّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد)(الكافي ١: ٣٣).
 وعنه عليه السلام: (العلماء أُمناء، الأتقياء حصون، والأوصياء سادة)(الكافي ١: ٣٣).
والروايات في هذا الشأن كثيرة جدَّاً.
الطائفة الثانية: الروايات التي تتحدَّث عن فضل  العلم والعلماء في فترة زمنية خاصّة وهي التي عبَّرنا عنها بمرحلة التمحيص.
 فمنها: ما ورد عن إمامنا الجواد عليه السلام أنَّه قال: (من تكفَّل بأيتام آل محمّد المنقطعين عن إمامهم المتحيّرين في جهلهم الأُسراء في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين بردّ وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربّهم ودليل أئمَّتهم ليفضلون عند الله تعالىٰ علىٰ العبّاد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء علىٰ الأرض والعرش والكرسي والحجب علىٰ السماء، وفضلهم علىٰ هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر علىٰ أخفىٰ كوكب في السماء)(الاحتجاج ١: ٩).
 ومنها: ما روي عن الإمام الهادي عليه السلام: (لولا من يبقىٰ بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه والدالّين عليه والذابّين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلَّا ارتدَّ عن دين الله، ولكنَّهم الذين يُمسِكون أزمَّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أُولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل)(الاحتجاج ١: ٩).
 ومنها: ما روي عن الإمام العسكري عليه السلام: (فأمَّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً علىٰ هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يُقلِّدوه)(الاحتجاج ٢: ٢٦٣).
 ولمَّا وصلت النوبة إلىٰ إمامنا المنتظر عليه السلام كتب في التوقيع الرفيع لسفيره المقدَّس الشيخ محمّد بن عثمان العمري قدس سره: (وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلىٰ رواة حديثنا فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله عليهم) [(كمال الدين: ٤٨٥)] (راجع المجلَّد الثاني من البحار للعلَّامة الأجلّ  المجلسي رحمه الله حيث عقد هناك أبواباً متعدِّدة وأورد فيها الروايات الشريفة المرتبطة بالمقام).
 والمتحصِّل من ذلك كلّه: أنَّ الأئمَّة عليهم السلام وخصوصاً المتأخّرين أسَّسوا لمرجعية دينية للفقهاء من شيعتهم _ في زمن الغيبة للإمام عليه السلام _ يرجع إليها الناس، ومن هنا تعرف أنَّ ما جرت عليه سيرة الشيعة الإمامية (أعلىٰ الله كلمتهم) من الرجوع إلىٰ الفقهاء والمراجع العظام إنَّما هو استجابةٌ لما أراده الأئمَّة عليهم السلام.
 وعليه: فلا يُصغىٰ لأيِّ دعوىٰ زائفة كالدعاوىٰ التي يُردِّدها بعض الضالّين والمغرضين من التحذير من المراجع العظام واتّهامهم بالضلال معاذ الله، فهذا خلاف المشروع الذي أسَّس له أئمَّة الحق عليهم السلام.
*     *     *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رقعة لقضاء الحاجة

دعاؤه عليه السلام في الصلوات على النبي وآله (عليهم السلام) .

دعاؤه عليه السلام في الشدائد والمهمات المسمى بدعاء العلوي المصري.