٢- ذكر الأدلّة التي ذكرها شيخ الطائفة رحمه الله على إثبات الغيبة .

ووجدت لبعض المتأخّرين كلاماً اعترض به كلام المرتضى رحمه الله في الغيبة وظنَّ أنَّه ظفر بطائل فموَّه به على من ليس له قريحة ولا بصر بوجوه النظر وأنا أتكلم عليه، فقال: الكلام في الغيبة والاعتراض عليها من
ثلاثة أوجه:
أحدها: أن نلزم الإمامية ثبوت وجه قبح فيها أو في التكليف معها فيلزمهم أن يثبتوا أنَّ الغيبة ليس فيها وجه قبح لأنَّ مع ثبوت وجه القبح تقبح الغيبة وإن ثبت فيها وجه حسن كما نقول في قبح تكليف ما لا يطاق أنَّ فيه وجه قبح وإن كان فيه وجه حسن بأن يكون لطفاً لغيره.
والثاني: أنَّ الغيبة تنقض طريق وجوب الإمامة في كل زمان لأنَّ كون الناس مع رئيس مهيب متصرّف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفاً واجباً في كلّ حال وقبح التكليف مع فقده لانتقض بزمان الغيبة لأنّا في زمان الغيبة نكون مع رئيس هذه سبيله أبعد من القبيح وهو دليل وجوب هذه الرئاسة، ولم يجب وجود رئيس هذه صفته في زمان الغيبة ولا قبح التكليف مع فقده، فقد وجد الدليل ولا مدلول وهذا نقض الدليل.
والثالث: أن يقال: إنَّ الفائدة بالإمامة هي كونه مبعّداً من القبيح على قولكم وذلك لا يحصل مع وجوده غائباً فلم ينفصل وجوده من عدمه، وإذا لم يختصّ وجوده غائباً بوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتض دليلهم وجوب وجوده مع الغيبة، فدليلكم مع أنَّه منتقض حيث وجد مع انبساط اليد ولم يجب انبساط اليد مع الغيبة فهو غير متعلّق بوجود إمام غير منبسط اليد، ولا هو حاصل في هذه الحال.
الكلام عليه أن نقول:
أمَّا الفصل الأوّل من قوله: (إنّا نلزم الإمامية أن يكون في الغيبة وجه قبح) وعيد منه محض لا يقترن به حجّة فكان ينبغي أن يبيّن وجه القبح الذي أراد إلزامه إيّاهم لننظر فيه ولم يفعل فلا يتوجَّه وعيده، وإن قال ذلك سائلاً على وجه: (ما أنكرتم أن يكون فيها وجه قبح) فإنّا نقول: وجوه القبح معقولة من كون الشيء ظلماً وعبثاً وكذباً ومفسدةً وجهلاً وليس شيء من ذلك موجوداً ههنا فعلمنا بذلك انتفاء وجود [في ثلاث نسخ من المصدر: (وجوه) بدل (وجود)] القبح.
فإن قيل: وجه القبح أنَّه لم يزح علّة المكلف على قولكم لأنَّ انبساط يده الذي هو لطف في الحقيقة والخوف من تأديبه لم يحصل فصار ذلك إخلالاً بلطف المكلف فقبح لأجله.
قلنا: قد بيَّنا في باب وجوب الإمامة بحيث أشرنا إليه أنَّ انبساط يده والخوف من تأديبه إنَّما فات المكلّفين لما يرجع إليهم لأنَّهم أحوجوه إلى الاستتار بأن أخافوه ولم يمكّنوه فاتوا من قبل نفوسهم وجرى ذلك مجرى أن يقول قائل: (من لم يحصل له معرفة الله تعالى، في تكليفه وجه قبح) لأنَّه لم يحصل ما هو لطف له من المعرفة فينبغي أن يقبح تكليفه فما يقولونه ههنا من أنَّ الكافر أتي من قبل نفسه لأنَّ الله قد نصب له الدلالة على معرفته ومكّنه من الوصول إليها فإذا لم ينظر ولم يعرف أتي في ذلك من قبل نفسه ولم يقبح ذلك تكليفه فكذلك نقول: انبساط يد الإمام وإن فات المكلف فإنَّما أتي من قبل نفسه ولو مكّنه لظهر وانبسطت يده فحصل لطفه فلم يقبح تكليفه لأنَّ الحجة عليه لا له.
*     *     *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رقعة لقضاء الحاجة

دعاؤه عليه السلام في الصلوات على النبي وآله (عليهم السلام) .

دعاؤه عليه السلام في الشدائد والمهمات المسمى بدعاء العلوي المصري.