٢٤ما ورد من إخبار عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في القائم عليه السلام

ما ورد من إخبار عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في القائم عليه السلام
.
٢٤ _ الكافي: أحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ جَعْفَر بْن عَبْدِ اللهِ الْمُحَمَّدِيّ، عَنْ أبِي رَوْح فَرَج بْن قُرَّةَ، عَنْ جَعْفَر بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْن صَدَقَةَ، عَنْ أبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ: (خَطَبَ أمِيرُ الْمُؤْمِنينَ عليه السلام فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيّ وَآلِهِ ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ فَإنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَقْصِمْ جَبَّاري دَهْرٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ تَمْهِيلٍ وَرَخَاءٍ وَلَمْ يَجْبُرْ كَسْرَ عَظْم (مِنَ) الاُمَم إِلاَّ بَعْدَ أزْلٍ وَبَلاَءٍ، أيُّهَا النَّاسُ فِي دُون مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَطْبٍ وَاسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ وَمَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ وَلاَ كُلُّ ذِي سَمْع بِسَمِيع وَلاَ كُلُّ ذِي نَاظِر عَيْنٍ بِبَصِيرٍ، عِبَادَ اللهِ أحْسِنُوا فِيمَا يُعِينُكُمُ النَّظَرُ فِيهِ ثُمَّ انْظُرُوا إِلَى عَرَصَاتِ مَنْ قَدْ أقَادَهُ اللهُ بِعِلْمِهِ كَانُوا عَلَى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أهْل جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوع وَمَقام كَريم ثُمَّ انْظُرُوا بِمَا خَتَمَ اللهُ لَهُمْ بَعْدَ النَّظْرَةِ وَالسُّرُور وَالأمْر وَالنَّهْي وَلِمَنْ صَبَرَ مِنْكُمُ الْعَاقِبَةُ فِي الْجِنَان وَاللهِ مُخَلَّدُونَ وَللهِ عاقِبَةُ الاُمُور.
فَيَا عَجَبَا وَمَا لِي لاَ أعْجَبُ مِنْ خَطَاءِ هَذِهِ الْفِرَقِ عَلَى اخْتِلاَفِ حُجَجِهَا فِي دِينهَا لاَ يَقْتَفُونَ [في المصدر: (يقتصون) بدل (يقتفون)] أثَرَ نَبِيٍّ وَلاَ يَعْتَدُّونَ [في المصدر: (ولا يقتدون) بدل (ولا يعتدون)] بِعَمَل وَصِيٍّ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ وَلاَ يَعِفُّونَ عَنْ عَيْبٍ الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا، وَالْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أنْكَرُوا وَكُلُّ امْرئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ آخِذٌ مِنْهَا فِيمَا يَرَى بِعُرًى وَثِيقَاتٍ وَأسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ فَلاَ يَزَالُونَ بِجَوْرٍ وَلَنْ يَزْدَادُوا إِلاَّ خَطَأ لاَ يَنَالُونَ تَقَرُّباً وَلَنْ يَزْدَادُوا إِلاَّ بُعْداً مِنَ اللهِ عزّ وجل اُنْسُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَتَصْدِيقُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ كُلُّ ذَلِكَ وَحْشَةً مِمَّا وَرَّثَ النَّبِيُّ [في المصدر إضافه: (الأمي)] صلى الله عليه وآله وسلّم وَنُفُوراً مِمَّا أدَّى إِلَيْهِمْ مِنْ أخْبَار فَاطِر السَّمَاوَاتِ وَالأرْض.
أهْلُ حَسَرَاتٍ، وَكُهُوفُ شُبُهَاتٍ، وَأهْلُ عَشَوَاتٍ، وَضَلاَلَةٍ وَريبَةٍ، مَنْ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ وَرَأيِهِ فَهُوَ مَأمُونٌ عِنْدَ مَنْ يَجْهَلُهُ غَيْرُ الْمُتَّهَم عِنْدَ مَنْ لاَ يَعْرفُهُ فَمَا أشْبَهَ هَؤُلاَءِ بِأنْعَام قَدْ غَابَ عَنْهَا رعَاؤُهَا.
وَوَا أسَفَا مِنْ فَعَلاَتِ شِيعَتِناَ [في المصدر: (شيعتي)] مِنْ بَعْدِ قُرْبِ مَوَدَّتِهَا الْيَوْمَ كَيْفَ يَسْتَذِلُّ بَعْدِي بَعْضُهَا بَعْضاً وَكَيْفَ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً؟ الْمُتَشَتّتَةُ غَداً عَن الأصْل النَّازِلَةُ بِالْفَرْع، الْمُؤَمَلَةُ الْفَتْحَ مِنْ غَيْر جِهَتِهِ كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ آخِذٌ مِنْهُ بِغُصْنٍ أيْنَمَا مَالَ الْغُصْنُ مَالَ مَعَهُ مَعَ أنَّ اللهَ وَلَهُ الْحَمْدُ سَيَجْمَعُ هَؤُلاَءِ لِشَرَ يَوْم لِبَني اُمَيَّةَ كَمَا يَجْمَعُ قَزَعَ الْخَريفِ يُؤَلّفُ اللهُ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ رُكَاماً كَرُكَام السَّحَابِ ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ أبْوَاباً يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارهِمْ كَسَيْل الْجَنَّتَيْن سَيْلَ الْعَرم حَيْثُ نَقَبَ [في المصدر: (بعث)] عَلَيْهِ فَأرَةٌ فَلَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ أكَمَةٌ وَلَمْ يَرُدَّ سَنَنَهُ رَصُّ [في المصدر: (رض)] طَوْدٍ يُذَعْذِعُهُمُ اللهُ فِي بُطُون أوْدِيَةٍ ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنابِيعَ فِي الأرْض يَأخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْم حُقُوقَ قَوْم وَيُمَكّنُ بِهِمْ قَوْماً فِي دِيَار قَوْم تَشْريداً لِبَني اُمَيَّةَ وَلِكَيْ لاَ يَغْتَصِبُوا مَا غَصَبُوا يُضَعْضِعُ اللهُ بِهِمْ رُكْناً وَيَنْقُضُ بِهِمْ طَيَّ الْجَنَادِلِ مِنْ إِرَمَ وَيَمْلاَ مِنْهُمْ بُطْنَانَ الزَّيْتُون.
فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأ النَّسَمَةَ لَيَكُونَنَّ ذَلِكَ وَكَأنّي أسْمَعُ صَهِيلَ خَيْلِهِمْ وَطَمْطَمَةَ رجَالِهِمْ وَايْمُ اللهِ لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أيْدِيهِمْ بَعْدَ الْعُلُوَ وَالتَّمْكِين فِي الْبِلاَدِ كَمَا تَذُوبُ الألْيَةُ عَلَى النَّار مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَاتَ ضَالّاً وَإِلَى اللهِ عزّ وجل يُفْضِي مِنْهُمْ مَنْ دَرَجَ وَيَتُوبُ اللهُ عزّ وجل عَلَى مَنْ تَابَ وَلَعَلَّ اللهَ يَجْمَعُ شِيعَتِي بَعْدَ التَّشَتُّتِ لِشَرَ يَوْم لِهَؤُلاَءِ وَلَيْسَ لأحَدٍ عَلَى اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ الْخِيَرَةُ بَلْ للهِ الْخِيَرَةُ وَالأمْرُ جَمِيعاً.
أيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْمُنْتَحِلِينَ لِلإمَامَةِ مِنْ غَيْر أهْلِهَا كَثِيرٌ وَلَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ مُرَ الْحَقَ، وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِين الْبَاطِل، لَمْ يَتَشَجَّعْ عَلَيْكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَويَ عَلَيْكُمْ عَلَى هَضْم الطَّاعَةِ وَإِزْوَائِهَا عَنْ أهْلِهَا لَكِنْ تِهْتُمْ كَمَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عليه السلام.
وَلَعَمْري لَيُضَاعَفَنَّ عَلَيْكُمُ التَّيْهُ مِنْ بَعْدِي أضْعَافَ مَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَلَعَمْري أنْ لَوْ قَدِ اسْتَكْمَلْتُمْ مِنْ بَعْدِي مُدَّةَ سُلْطَان بَني اُمَيَّةَ لَقَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى سُلْطَان الدَّاعِي إِلَى الضَّلاَلَةِ وَأحْيَيْتُمُ الْبَاطِلَ وَأخْلَفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُوركُمْ وَقَطَعْتُمُ الأدْنَى مِنْ أهْل بَدْرٍ وَوَصَلْتُمُ الأبْعَدَ مِنْ أبْنَاءِ الْحَرْبِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم وَلَعَمْري أنْ لَوْ قَدْ ذَابَ مَا فِي أيْدِيهِمْ لَدَنَا التَّمْحِيصُ لِلْجَزَاءِ وَقَرُبَ الْوَعْدُ وَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَبَدَا لَكُمُ النَّجْمُ ذُو الذَّنَبِ مِنْ قِبَل الْمَشْرقِ وَلاَحَ لَكُمُ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ فَإذَا كَانَ ذَلِكَ فَرَاجِعُوا التَّوْبَةَ وَاعْلَمُوا أنَّكُمْ إِن اتَّبَعْتُمْ طَالِعَ الْمَشْرقِ سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ [في المصدر: (مناهج)] الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله وسلّم فَتَدَاوَيْتُمْ مِنَ الْعَمَى وَالصَّمَم وَالْبَكَم وَكُفِيتُمْ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَالتَّعَسُّفِ وَنَبَذْتُمُ الثَقَلَ الْفَادِح‏ عَن الأعْنَاقِ وَلاَ يُبَعَدُ اللهُ إِلاَّ مَنْ أبَى وَظَلَمَ وَاعْتَسَفَ وَأخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ) (الشعراء: ٢٢٧) [روضه الكافي: ٦٣/ ح٢٢] .
بيان: (الأزل) الضيق والشدّة. و (الخطب) الشأن والأمر ويحتمل أن يكون المراد بما استدبروه ما وقع في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم من استيلاء الكفرة أوّلاً وغلبة الحقّ وأهله ثانياً وبما استقبلوه ما ورد عليهم بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم من أشباهها ونظائرها من استيلاء المنافقين على أمير المؤمنين عليه السلام ثُمَّ رجوع الدولة إليه بعد ذلك فإنَّ الحالتين متطابقتان، ويحتمل أن يكون المراد بهما شيئاً واحداً وإنَّما يستقبل قبل وروده ويستدبر بعد مضيه والمقصود التفكّر في انقلاب أحوال الدنيا وسرعة زوالها وكثرة الفتن فيها فتدعو إلى تركها والزهد فيها ويحتمل على بعد أن يكون المراد بما يستقبلونه ما هو أمامهم من أحوال البرزخ وأهوال القيامة وعذاب الآخرة وبما استدبروه ما مضى من أيّام عمرهم وما ظهر لهم ممَّا هو محلّ للعبرة فيها.
(بلبيب) أي عاقل، (بسميع) أي يفهم الحقّ ويؤثّر فيه، (ببصير) أي يبصر الحقّ ويعتبر بما يرى وينتفع بما يشاهد، (فيما يعنيكم) أي يهمّكم وينفعكم وفي بعض النسخ يغنيكم، (والنظر فيه) الظاهر أنَّه بدل اشتمال لقوله: (فيما يعنيكم) ويحتمل أن يكون فاعلاً لقوله: (يعنيكم) بتقدير النظر قبل الظرف أيضاً.
(من قد أقاده الله) يقال: أقاده خيلاً أي أعطاه ليقودها ولعلَّ المعنى من مكَّنه الله من الملك بأن خلى بينه وبين اختياره ولم يمسك يده عمَّا أراده، (بعلمه) أي بما يقتضيه علمه وحكمته من عدم إجبارهم على الطاعات، ويحتمل أن يكون من القود والقصاص ويؤيّده أنَّ في بعض النسخ بعمله فالضمير راجع إلى الموصول، (على سُنّة) أي طريقة وحالة مشبهة ومأخوذة، (من آل فرعون) من الظلم والكفر والطغيان أو من الرفاهية والنعمة كما قال: (أهل جنّات) فعلى الأوّل حال وعلى الثاني بدل من قوله: (على سُنّة) أو عطف بيان له، (بما ختم الله) الباء بمعنى في أو إلى أو زائدة، و (النضرة) الحسن والرونق.
وقوله عليه السلام: (مخلّدون) خبر لمبتدأ محذوف والجملة مبيّنة ومؤكّدة للسابقة أي هم والله مخلّدون في الجنان، (ولله عاقبة الأمور) أي مرجعها إلى حكمه كما قيل، أو عاقبة الملك والدولة والعزّ لله ولمن طلب رضاه كما هو الأنسب بالمقام، (فيا عجبا) بغير تنوين وأصله يا عجبي ثُمَّ قلبوا الياء ألفاً فإن وقفت قلت: يا عجباه أي يا عجبي أقبل هذا أوانك أو بالتنوين أي يا قوم اعجبوا عجباً أو أعجب عجباً والأوّل أشهر وأظهر، (في دينها) الظرف متعلّق بالاختلاف أو بالخطاء أو بهما على التنازع، (بغيب) أي بأمر غائب عن الحسّ ممَّا أخبر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم من الجنّة والنار وغيرهما، (ولا يعفون) بكسر العين وتشديد الفاء من العفّة والكفّ أو بسكون العين وتخفيف الفاء من العفو أي عن عيوب الناس.
(المعروف...) الخ، أي المعروف والخير عندهم ما يعدونه معروفاً ويستحسنونه بعقولهم الناقصة وإن كان منكراً في نفس الأمر أو المعنى أنَّ المعروف والمنكر تابعان لإرادتهم وميول طبائعهم وشهواتهم فما اشتهته أنفسهم وإن أنكرته الشريعة فهو المعروف عندهم، (بعرى وثيقات) أي يظنّون أنَّهم تمسّكوا بدلائل وبراهين فيما يدعون من الأمور الباطلة.
(وأسباب محكمات) أي يزعمون أنَّهم تعلّقوا بوسائل محكمة فيمن يتوسّلون بهم من أئمّة الجور، (أنس بعضهم) على الفعل أو المصدر والثاني أظهر، (وحشة) أي يفعلون كلّ ذلك لوحشتهم ونفورهم عن العلوم التي ورثها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم أهل بيته، (أهل حسرات) بعد الموت وفي القيامة وفي النار، (وكهوف شبهات) أي تأوي إليهم الشبهات لأنَّهم يقبلون إليها ويفتتنون بها وفي بعض النسخ: (وكفر وشبهات) فيكونان معطوفين على حسرات.
وقال الجوهري: العشوة أن يركب أمراً على غير بيان ويقال: أخذت عليهم بالعشوة أي بالسواد من الليل [(الصحاح ٢٤٢٧:٤)] ، (فهو مأمون) خبر للموصول والمعنى أنَّ حسن ظنّ الناس والعوام بهم إنَّما هو لجهلهم بضلالتهم وجهالتهم ويحتمل أن يكون المراد بالموصول أئمّة من قد ذمهم سابقاً لا أنفسهم، (من فعلات شيعتي) أي من يتبعني اليوم ظاهراً، و (اليوم) ظرف للقرب، (المتشتتة) أي هم الذين يتفرّقون عن أئمّة الحقّ ولا ينصرونهم ويتعلّقون بالفروع التي لا ينفع التعلّق بها بدون التشبّث بالأصل كاتّباعهم المختار وأبا مسلم وزيداً وأضرابهم بعد تفرّقهم عن الأئمّة عليهم السلام، (من غير جهته) أي من غير الجهة التي يرجى منها الفتح أو من غير الجهة التي اُمروا بالاستفتاح منها فإنَّ خروجهم بغير إذن الإمام كان معصية.
(لشرّ يوم) إشارة إلى اجتماعهم على أبي مسلم لدفع بني أميّة وقد فعلوا لكن سلّطوا على أئمّة الحقّ من هو شر منهم. وقال الجزري: وفي حديث علي: (فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف) أي قطع السحاب المتفرّقة وإنَّما خصَّ الخريف لأنَّه أوّل الشتاء والسحاب يكون فيه متفرّقاً غير متراكم ولا مطبق ثُمَّ يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك [(النهايه ٥٩:٤)] وقال: الركام، السحاب المتراكم بعضه فوق بعض [(النهايه ٢٦٠:٢)] .
أقول: نسبة الجمع إليه تعالى مجاز لعدم منعهم عنه وتمكينهم من أسبابه وتركهم واختيارهم، (ثُمَّ يفتح لهم) فتح الأبواب كناية عمَّا هيّئ لهم من أسبابهم وإصابة تدبيراتهم واجتماعهم وعدم تخاذلهم.
و (المستثار) موضع ثورانهم وهيجانهم ثُمَّ شبّه عليه السلام تسليط هذا الجيش عليهم بسوء أعمالهم بما سلَّط الله على أهل سبأ بعد إتمام النعمة عليهم لكفرانهم وإنَّما سمّي ذلك بسيل العرم لصعوبته أي سيل الأمر العرم أي الصعب أو المراد بالعرم المطر الشديد أو الجرذ أضاف إليه لأنَّه نقب عليهم سدّاً ضربت لهم بلقيس وقيل: اسم لذلك السدّ وقد مرَّت القصَّة في كتاب النبوّة.
والضمير في (عليه) إمَّا راجع إلى السيل فـ (على) تعليلية أو إلى العرم إذا فُسَر بالسدّ. وفي بعض النسخ (بعث) وفي بعضها (نقب) بالنون والقاف والباء الموحَّدة فقوله: (فارة) مرفوع بالفاعلية وفي النهج، (كسيل الجنّتين حيث لم تسلم عليه قارة ولم تثبت له أكمة) [نهج البلاغه: ٢٤١/ الخطبه ١٦٦] والقارة الجبل الصغير والأكمة هي الموضع الذي يكون أشدّ ارتفاعاً ممَّا حوله وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجراً والحاصل بيان شدّة السيل المشبه به بأنَّه أحاط بالجبال وذهب بالتلال ولم يمنعه شيء. والسنن الطريق و (الرص) التصاق الأجزاء بعضها ببعض، و (الطود) الجبل أي لم يرد طريقه طود مرصوص.
ولمَّا بيَّن عليه السلام شدّة المشبه به أخذ في بيان شدّة المشبّه فقال: (يذعذعهم الله) أي يفرّقهم في السبل متوجّهين إلى البلاد، (ثُمَّ يسلكهم ينابيع في الأرض) من ألفاظ القرآن أي كما أنَّ الله تعالى ينزل الماء من السماء فيسكن في أعماق الأرض ثُمَّ يظهره ينابيع إلى ظاهرها كذلك هؤلاء يفرّقهم الله في بطون الأودية وغوامض الأغوار ثُمَّ يظهرهم بعد الاختفاء كذا ذكره ابن أبي الحديد [(شرح ابن أبي الحديد ٢٥٨:٩)] ، والأظهر عندي أنَّه بيان لاستيلائهم على البلاد، وتفرّقهم فيها، وتيسّر أعوانهم من سائر الفِرَق، فكما أنَّ مياه الأنهار ووفورها توجب وفور مياه العيون والآبار، فكذلك يظهر أثر هؤلاء في كل البلاد، وتكثر أعوانهم في جميع الأقطار، وكل ذلك ترشيح لما سبق من التشبيه، (يأخذهم من قوم) أي بني أميّة، (حقوق قوم) أي أهل بيت عليهم السلام للانتقام من أعدائهم وإن لم يصل الحقّ إليهم، (ويمكن من قوم) أي بني العبّاس، (لديار قوم) أي بني أميّة وفي بعض النسخ: (ويمكن بهم قوماً في ديار قوم)، وفي النهج: (ويمكن لقوم في ديار قوم) والمآل في الكلّ واحد، (تشريداً لبني أميّة) التشريد التفريق والطرد، و (الاغتصاب) الغصب ولعلَّ المعنى أنَّ الغرض من استيلاء هؤلاء ليس إلاَّ تفريق بني أميّة ودفع ظلمهم.
وقال الفيروزآبادي: ضعضعه هدمه حتَّى الأرض [(القاموس المحيط ٥٨:٣)] ، و (الجنادل) جمع جندل وهو ما يقله الرجل من الحجارة أي يهدم الله بهم ركناً وثيقاً هو أساس دولة بني أميّة وينقض بهم الأبنية التي طويت وبنيت بالجنادل والأحجار من بلاد ارم وهي دمشق والشام إذ كان مستقر ملكهم في أكثر زمانهم تلك البلاد لاسيَّما في زمانه عليه السلام.
وقال الجزري: (فيه ينادي منادٍ من بطنان العرش) أي من وسطه وقيل: من أصله، وقيل: البطنان جمع بطن وهو الغامض من الأرض يريد من دواخل العرش [(النهايه ١٣٧:١)] .
وقال الفيروزآبادي: (الزيتون) مسجد دمشق أو جبال الشام وبلد بالصين [(القاموس المحيط ١٥٤:١)] والمعنى أنَّ الله يملأ منهم وسط مسجد دمشق أو دواخل جبال الشام والغرض بيان استيلاء هؤلاء القوم على بني أميّة في وسط ديارهم والظفر عليهم في محلّ استقرارهم وأنَّه لا ينفعهم بناء ولا حصن في التحرّز عنهم.
و (طمطمة رجالهم) الطمطمة اللغة العجمية ورجل طمطمي في لسانه عجمة وأشار عليه السلام بذلك إلى أنَّ أكثر عسكرهم من العجم لأنَّ عسكر أبي مسلم كان من خراسان، (وأيم الله ليذوبنَّ) الظاهر أنَّ هذا أيضاً من تتمَّة بيان انقراض ملك بني أميّة وسرعة زواله ويحتمل أن يكون إشارة إلى انقراض هؤلاء الغالبين من بني العبّاس، (وإلى الله عزّ وجل يقضى) من القضاء بمعنى المحاكمة أو الإنهاء والإيصال كما في قوله تعالى: ((وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الأمْرَ) ) (الحجر:٦٦) وفي بعض النسخ: (يفضي) بالفاء أي يوصل، (ودرج الرجل) أي مشى ودرج أيضاً بمعنى مات ويقال: درج القوم أي انقرضوا، والظاهر أنَّ المراد به هنا الموت أي من مات مات ضالاً وأمره إلى الله يعذّبه كيف يشاء ويحتمل أن يكون بمعنى المشي أي من بقي منهم فعاقبته الفناء والله يقضي فيه بعلمه، (ولعلَّ الله يجمع) إشارة إلى زمن القائم عليه السلام.
(وليس لأحد على الله عزَّ ذكره الخيرة) أي ليس لأحد من الخلق أن يشير بأمر على الله أنَّ هذا خير ينبغي أن تفعله بل له أن يختار من الأمور ما يشاء بعلمه وله الأمر بما يشاء في جميع الأشياء، (عن مُرَ الحقّ) أي الحقّ الذي هو مُرّ أو خالص الحقّ فإنَّه مُرّ واتّباعه صعب وفي النهج عن نصر الحقّ، (والهضم) الكسر وروي الشيء عنه أي صرفه ونحاه ولم أطّلع على الازواء فيما عندي من كتب اللغة وكفى بالخطبة شاهداً على أنَّه ورد بهذا المعنى.
(كما تاهت بنو إسرائيل) أي خارج المصر أربعين سنة ليس لهم مخرج بسبب عصيانهم وتركهم الجهاد فكذا أصحابه عليه السلام تحيّروا في أديانهم وأعمالهم لمَّا لم ينصروه ولم يعينوه على عدوّه كَمَا رُويَ عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلّم أنَّهُ قَالَ: (لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ النَّعْل بِالنَّعْل وَالْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبً لَدَخَلْتُمُوهُ) [(تفسير القمي ٤١٣:٢؛ شرح ابن أبي الحديد ٢٨٦:٩)] .
(أضعاف ما تاهت) يحتمل أن يكون المراد بالمشبّه به هنا تحيّر قوم موسى بعده في دينهم ويحتمل أن يكون المراد التحيّر السابق وعلى التقديرين إمَّا المراد المضاعفة بحسب الشدّة وكثرة الحيرة أو بحسب الزمان فإنَّ حيرتهم كان إلى أربعين سنة وهذه الأمّة إلى الآن متحيّرون تائهون في أديانهم وأحكامهم، (الداعي إلى الضلالة) أي الداعي إلى بني العبّاس، (وقطعتم الأدنى من أهل بدر) أي الأدنين إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم نسباً الناصرين له في غزوة بدر وهي أعزّ غزوات الإسلام يعني نفسه وأولاده عليهم السلام، (ووصلتم الأبعد) أي أولاد العبّاس فإنَّهم كانوا أبعد نسباً من أهل البيت عليهم السلام وكان جدّهم عبّاس ممن حارب الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في غزوة بدر حتَّى اُسر، (ما في أيديهم) أي ملك بني العبّاس، (لدنا التمحيص للجزاء) أي قرب قيام القائم والتمحيص الابتلاء والاختبار أي يبتلي الناس ويمتحنون بقيامه عليه السلام ليخزي الكافرين ويعذبهم في الدنيا قبل نزول عذاب الآخرة بهم ويمكن أن يكون المراد تمحيص جميع الخلق لجزائهم في الآخرة إن خيراً فخيراً وإن شرّاً فشرّاً، (وقرب الوعد) أي وعد الفرج، (وانقضت المدة) أي قرب انقضاء دولة أهل الباطل.
(وبدا لكم النجم) هذا من علامات ظهور القائم عليه السلام كما سيأتي وقيل: إنَّه إشارة إلى ما ظهر في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة هجرية والشمس في أوائل الميزان بقرب الإكليل الشمالي كانت تطلع وتغيب معه لا تفارقه ثُمَّ بعد مدّة ظهر أنَّ لها حركة خاصة بطيئة فيما بين المغرب والشمال وكان يصغر جرمها ويضعف ضوؤها بالتدريج حتَّى انمحت بعد ثمانية أشهر تقريباً وقد بعدت عن الإكليل في الجهة المذكورة قدر رمح لكن قوله عليه السلام: (من قبل المشرق) يأبى عنه إلاَّ بتكلّف وقد ظهر في زماننا في سنة خمس وسبعين وألف ذو ذؤابة ما بين القبلة والمشرق وكان له طلوع وغروب وكانت له حركة خاصّة سريعة عجيبة على التوالي لكن لا على نسق ونظام معلوم ثُمَّ غاب بعد شهرين تقريباً كان يظهر أوّل الليل من جانب المشرق وقد ضعف حتَّى انمحى بعد شهر تقريباً وتطبيقه على هذا يحتاج إلى تكلّفين كما لا يخفى، (ولاح لكم القمر المنير) الظاهر أنَّه استعارة للقائم عليه السلام ويؤيّده ما مرَّ بسند آخر: (وأشرق لكم قمركم) ويحتمل أن يكون من علامات قيامه عليه السلام ظهور قمر آخر أو شيء شبيه بالقمر.
(إن اتّبعتم طالع المشرق) أي القائم عليه السلام وذكر المشرق إمَّا لترشيح الاستعارة السابقة أو لأنَّ ظهوره عليه السلام من مكّة وهي شرقية بالنسبة (إلى المدينة) أو لأنَّ اجتماع العساكر عليه وتوجهه عليه السلام إلى فتح البلاد إنَّما يكون من الكوفة وهي شرقية بالنسبة إلى الحرمين وكونه إشارة إلى السلطان إسماعيل أنار الله برهانه بعيد، (والتعسّف) أي لا تحتاجون في زمانه عليه السلام إلى طلب الرزق والظلم على الناس لأخذ أموالهم، (ونبذتهم الثقل الفادح) أي الديون المثقّلة ومظالم العباد أو إطاعة أهل الجور وظلمهم، (ولا يبعد الله) أي في ذلك الزمان أو مطلقاً، (إلاَّ من أبى) أي عن طاعته عليه السلام أو طاعة الله، و (ظلم) أي نفسه أو الناس، (واعتسف) أي مال عن طريق الحقّ أو ظلم غيره.
*     *     *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رقعة لقضاء الحاجة

دعاؤه عليه السلام في الصلوات على النبي وآله (عليهم السلام) .

دعاؤه عليه السلام في الشدائد والمهمات المسمى بدعاء العلوي المصري.