الإعداد الروحي لعصر الظهور

المعلم الأوّل الفطرة : 
أوّلها: هو إرجاع الناس إلى الفطرة والتأكيد على الرجوع إلى النفس، حيث سيجد الإنسان ضالته داخل نفسه، ليس بعيداً عنها، ولا بمنأى عن جوانحها.
القرآن الكريم يشير إلى ذلك في قوله تعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ). (الروم:٣٠)
الأئمّة عليهم السلام بدورهم جاءوا وفسروا هذه الآيات التي تتحدث عن الفطرة، فصرحوا عن الفطرة (فِطْرَتَ اللَّهِ...) بأنها تعني التوحيد، بمعنى: أن الله عز وجل خلق الناس وأودع فيهم هذه الفطرة وأودع فيها توحيده والإيمان به والتصديق بوجوده.
الله تبارك وتعالى حينما خلق الإنسان لم يخلقه موجوداً بلا توجيه، بل خلق في داخله عقلاً يقبل التوجيه. عقلاً يقبل الكلام يقبل النصيحة، يفهم، ولولا هذا العقل لما صحّ التكليف، هذا العقل هو تعبير آخر عن الفطرة، أحكام العقل الأساسية التي نعترف بها هي عبارة أخرى عن الفطرة، العقل الإنساني بما هو عقل، سواء كان الإنسان مسلماً أو غير مسلم، هو الفطرة بعينها، أيّ إنسان عاقل يحمل عقلاً كاملاً تاماً يجد من القبيح والمستهجن أن يخون الأمانة، هذه مسألة إنسانية عامة بغض النظر عن التعاليم الدينية. هذه هي الفطرة، كل عقل إنساني يأبى نكاح الأمثال مسألة فطرية، الفطرة أودع فيها ذلك، فإذاً العقل هو عبارة أخرى عن الفطرة، الله عندما خلقنا أودع فينا هذه الفطرة بما فيها من أساسيات، بما فيها من مفاهيم أصيلة على أساسها تتفرع الفضائل، وعلى أساسها يتعلم الإنسان الخير.
أهل البيت عليهم السلام حاولوا بكل أسلوب وبكل طريقة أن يُرجعوا الناس إلى الفطرة التي دعا إليها القرآن وأكد على ضرورتها وأهميتها ومركزيتها، فإذاً هذا معْلَم أول من معالم طريقة أهل البيت عليهم السلام في تربية الناس وتزكيتهم، التأكيد على الفطرة والرجوع إليها، والتأكيد على أن من أراد التزكية فعليه أن يرجع إلى فطرته وإلى ذاته.
هذه المسألة لا بدّ من التوقف عندها بالشرح:
الفطرة صفحة بيضاء نقية، ولذلك حينما يولد الطفل وإلى أن يبلغ سنّ التكليف نعتبره وجوداً طاهراً لا شوائب فيه، لا حق يتعلق في عهدته، لا ذنب يتعلق في ذمته.
الله عز وجل جعل فطرة الطفل فطرة توحيد، توحيد الطفل يعني معرفته بربه، تلك المعرفة الكامنة في أعماقه، والممزوجة بوجوده، والتي تجعل بكاءه تسبيحاً لربه (كما ورد في بعض الروايات)، ولكن لا تفقهون تسبيحهم.
توحيدٌ كامل، لكن الطفل لا يستطيع أن يعبّر عن نفسه أو يبدي ذلك، إلاّ أن الظروف غير الصالحة التي تحيط بالطفل من والديه، من مجتمع، من مؤثرات ثقافية، من مؤثرات إعلامية، كل ذلك يراكم على تلك الفطرة الغبار حتّى يخفي معالمها، يخفي حقيقتها، فيكبر الإنسان مسيحياً أو يهودياً، أو يكبر مخالفاً لأهل البيت عليهم السلام، أو يكبر شيعياً لكن مع شيء من الضعف في بعض الكمالات والفضائل.
إذاً الفطرة هي أساس الفضائل وأساس التوحيد في وجودنا، لكن الإنسان حينما يعيش في مجتمع ما يتأثر بظروف ذلك المجتمع، كما أكد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (كل مولود يولد على الفطرة، حتّى يكون أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه). [(شرح الأخبار/ النعمان المغربي١٩٠:١؛ عده الداعي/ أبن فهد الحلي:٣١١؛ بحار الأنوار/ المجلسي٢٨١:٣)] الفطرة هي أساس الخير، فإذا أراد الإنسان أن يرجع إلى الخير فإنه يرجع إليها كما خُلق، هناك عبارات رشيقة فيما يتعلق ببعض الأعمال وثوابها كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حجّ ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). (كنز العمال/ المتقي الهندي٧:٥/ ح١١٨٠٨؛ وجامع البيان/ الطبري٣٧٨:٢)
هذه أمنية بالنسبة إلى المؤمن، كل مؤمن يتمنّى أن يوفق لعملٍ يُرجعه إلى هذا الحد من النقاء.
فإذاً أهل البيت عليهم السلام أكدوا علينا أنه إذا أردتم التزكية فارجعوا إلى الفطرة التي جئتم معها إلى الدنيا.
ارجعوا إلى تلك الفطرة التي يتحدث عنها الله تعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (الروم: ٣٠) ففطرة الله دائماً نظيفة نقية.
فالمَعْلم الأوّل من معالم طريقة أهل البيت عليهم السلام في تربيتنا وتزكيتنا هي ارجاعنا إلى الفطرة. وهنا نتسائل: ما هي الآثار النفسية لهذه الطريقة؟
(جواب هذا السؤال في منشور الآتي. إن شاء الله)
*     *     *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رقعة لقضاء الحاجة

دعاؤه عليه السلام في الصلوات على النبي وآله (عليهم السلام) .

دعاؤه عليه السلام في الشدائد والمهمات المسمى بدعاء العلوي المصري.