في كون انقطاع النائب الخاص للإمام عليه السلام عقيدة من ضروريات مذهب الإمامية الإثني عشرية

الأمر الرابع: منابع الشريعة

إن منابع الشريعة هما الكتاب العزيز والسُنّة المطهرة من أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وآله وأقوال الأئمّة المعصومين عليهم السلام وأفعالهم وتقريراتهم، وقال الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم في الوصية المعروفة: (يا هشام إن لله على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة وحجّة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة عليهم السلام، وأما الباطنة فالعقول) (الكافي ١٦:١/ كتاب العقل والجهل/ ح١٢) .
وقال الصادق عليه السلام لعبد الله بن سنان: (حجة الله على العباد النبي، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل) (الكافي ٢٥:١/ كتاب العقل والجهل/ ح٢٢) .
وفي حديث طويل للصادق عليه السلام حيث بيّن فيه أن بالعقل مبدأ الأمور وقوّتها وعمارتها وبه عرف الله وصفاته الكمالية وبه عرفت الكمالات، قيل له: فهل يكفي العباد بالعقل دون غيره؟ قال: (إن العاقل لدلالة عقله الذي جعله الله قوامه وزينته وهدايته علم أن الله هو الحق وأنه هو ربه، وعلم أن لخالقه محبة وأن له كراهية وأن له طاعة وأن له معصية، فلم يجد عقله يدلّه على ذلك، وعلم أنه لا يوصل إليه إلاّ بالعلم والأدب وأنه لا ينتفع بعقله إن لم يصب بعلمه، فوجب على العاقل طلب العلم والأدب الذي لا قوام له إلاّ به) (الكافي ٢٨:١/ كتاب العقل والجهل/ ح٣٤) .
وقد روى السُنّة والشيعة بالطرق المستفيضة المتواترة حديث الثقلين عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتّى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أكثر من ثلاثين صحابياً وما لا يقلُّ عن مائتي عالم من كبار علماء السُنّة بألفاظ مختلفة في كتبهم (راجع: صحيح مسلم ١١٠:٤؛ مسند أحمد ٣٦٦:٤، و١٨١:٥؛ وفيض القدير للمناوي ١٤:٣؛ وصواعق لأبن الحجر:١٣٦؛ والزمخشري في كتاب المناقب: ٢١٣ المخطوط؛ والحمويني في الفرائد؛ وجمال الدين الحنفي في درر بحر المناقب: ١١٦ مخطوط؛ والشيخ سليمان في ينابيع الموده:٨٢، وغيرها) فضلاً عن الشيعة.
وروى الشيخ الصدوق في (معاني الأخبار) (ص٥٨) عن الباقر عليه السلام قال: (خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة بعد منصرفه من النهروان، وبلغه أن معاوية يسبّه ويلعنه ويقتل أصحابه، فبعد حمد الله والثناء عليه قال عليه السلام: يا أيها الناس إنه بلغني ما بلغني وإني أراني قد اقترب أجلي، وكأني بكم وقد جهلتم أمري، وإني تارك فيكم ما تركه رسول الله صلى الله عليه وآله كتاب الله وعترتي، وهي عترة الهادي إلى النجاة خاتم الأنبياء وسيد النجباء والنبي المصطفى).
وقال الصادق عليه السلام: (الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء، حتّى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد، حتّى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا اُنزل في القرآن، إلاّ وقد أنزله الله فيه) (الكافي٥٩:١/ باب الرد إلى الكتاب والسنه/ ح١) .
وقال عليه السلام: (ما خلق الله حلالاً ولا حراماً إلاّ وله حدّ كحدّ الدار، فما كان من الطريق فهو من الطريق، وما كان من الدار فهو من الدار، حتّى أرش الخدش فما سواه والجلدة ونصف الجلدة) (الكافي٥٩:١/ باب الرد إلى الكتاب والسنه/ ح٣) .
وقال: (ما من شيء إلاّ وفيه كتاب أو سُنّة) (الكافي٥٩:١/ باب الرد إلى الكتاب والسنه/ ح٤) .
وقال زين العابدين عليه السلام: (إن أفضل الأعمال عند الله ما عمل بالسُنّة وإن قلَّ) (الكافي٧٠:١/ باب الأخذ بالسنه وشواهد الكتاب/ ح٧) .
وقال الباقر عليه السلام: (كل من تعدّى السُنّة رُدَّ إلى السُنّة) (الكافي٧٠:١/ باب الأخذ بالسنه وشواهد الكتاب/ ح١١) .
وقال الصادق عليه السلام: (من خالف كتاب الله وسُنّة محمّد صلى الله عليه وآله فقد كفر) (الكافي٧٠:١/ باب الأخذ بالسنه وشواهد الكتاب/ ح٦) .
وعن الباقر عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا قول إلاّ بعمل، ولا قول ولا عمل إلاّ بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلاّ بإصابة السُنّة) (الكافي٧٠:١/ باب الأخذ بالسنه وشواهد الكتاب/ ح٩) .
وقال عليه السلام: (من دان الله بغير سماع من صادق ألزمه الله التيه يوم القيامة) (الكافي٣٧٧:١/ باب من مات وليس له إمام من أئمه الهدى/ ح٤) ، أي من تديّن وعمل بحكم بغير المأثور من المعصوم جعل الله حاله يوم القيامة وهو يوم الفزع الأكبر في تيه، مع كونه ذلك اليوم في أشدّ الحاجة إلى الأمان والقرار، أو أن التيه كناية عن الضلال وعاقبة السوء.
وفي الرسالة المشهورة للإمام الصادق عليه السلام إلى أصحابه والتي أمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها، والتي رواها الكليني قدس سره في كتاب (الروضة من الكافي) (الكافي ٢:٨/ ح١) بطرق معتبرة نذكر موضعاً منها مما يهمُّ الكلام في المقام.
قال عليه السلام: (أيتها العصابة المرحومة المفلحة، إن الله أتمَّ لكم ما آتاكم من الخير، واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء، وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلاً، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصّهم به ووضعه عندهم كرامة من الله أكرمهم بها، وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمّة بسؤالهم، وهم الذين من سألهم _ وقد سبق في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم _ أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإذنه وإلى جميع سبل الحق.
وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم إلاّ من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة (تحتمل إراده عالم الأرواح أو التقرر العلمي للأشياء) فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم، وأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقاييسهم حتّى دخلهم الشيطان، لأنهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند الله كافرين، وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين، وحتّى جعلوا ما أحلَّ الله في كثير من الأمر حراماً، وجعلوا ما حرَّم الله في كثير من الأمر حلالاً، فذلك أصل ثمرة أهوائهم، وقد عهد إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله قبل موته، فقالوا: نحن بعد ما قبض الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وآله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعدما قبض الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وآله وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به مخالفاً لله ولرسوله صلى الله عليه وآله.
فما أحد أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن ذلك يسعه، والله إن لله على خلقه أن يطيعوه ويتّبعوا أمره في حياة محمّد صلى الله عليه وآله وبعد موته، هل يستطيع أولئك أعداء الله أن يزعموا أن أحداً ممن أسلم مع محمّد صلى الله عليه وآله أخذ بقوله ورأيه ومقاييسه؟ فإن قال: نعم، فقد كذب على الله وضلَّ ضلالاً بعيداً، وإن قال: لا، لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه فقد أقرَّ بالحجة على نفسه، وهو ممن زعم أن الله يطاع ويتبع أمره بعد قبض الرسول صلى الله عليه وآله، وقد قال الله وقوله الحق: ((وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)) (آل عمران: ١٤٤؛ والخطاب في الآيه الشريفه يشملنا نحن أبناء هذا الزمن أيضا، ويهتف بنا عن تبديل الدين الحق والرجوع إلى العقب وإلى الظلاله) وذلك لتعلموا أن الله يطاع ويتبع أمره في حياة محمّد صلى الله عليه وآله وبعد قبض الله محمّداً صلى الله عليه وآله، وكما لم يكن لأحد من الناس مع محمّد صلى الله عليه وآله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه خلافاً لأمر محمّد صلى الله عليه وآله فكذلك لم يكن لأحد من الناس بعد محمّد صلى الله عليه وآله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه...).
إلى أن قال عليه السلام: (أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم عليكم بآثار الرسول صلى الله عليه وآله وآله وسُنّته وآثار الأئمّة الهداة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله من بعده وسُنّتهم، فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضلَّ لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم، وقد قال أبونا رسول الله صلى الله عليه وآله: المداومة على العمل في اتّباع الآثار والسنن وإن قلَّ أرضى لله وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتّباع الأهواء، إلاّ أن اتّباع الأهواء واتّباع البدع بغير هدى من الله ضلال وكل ضلالة بدعة وكل بدعة في النار، ولن ينال شيء من الخير عند الله إلاّ بطاعته والصبر والرضا، لأن الصبر والرضا من طاعة الله...).
إلى أن قال عليه السلام: (فإن من لم يجعل الله من أهل صفة الحق فأولئك هم شياطين الإنس والجن، وإن لشياطين الإنس حيلة ومكراً وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردّوا أهل الحق عمّا أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشكّ والإنكار والتكذيب فيكونون سواء كما وصف الله تعالى في كتاب من قوله: ((وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً)) (النساء: ٨٩) ، ثمّ نهى الله أهل النصر بالحق أن يتّخذوا من أعداء الله وليّاً ولا نصيراً، فلا يهولنكم ولا يردّنكم عن النصر بالحق الذي خصّكم الله به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم من أموركم...).
إلى أن قال: (هذا أدبنا أدب الله، فخذوا به وتفهّموه واعقلوه، ولا تنبذوه وراء ظهوركم).
وروى الكليني في كتاب (الكافي) في أبواب الحجة باب الغيبة (ج١: ص٣٣٩) بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام: (اللهم إنه لا بدَّ لك من حجج في أرضك، حجة بعد حجة على خلقك، يهدونهم إلى دينك، ويعلّمونهم علمك، كي لا يتفرق أتباع أوليائك، ظاهر غير مطاع، أو مكتتم يترقب، إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوث علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون).
ويقول عليه السلام في هذه الخطبة في موضع آخر: (فيمن هذا؟ ولهذا يأرز (أي: ينقبض ويرتفع، كنايه عن الذهابه) العلم إذا لم يوجد له حملة يحفظونه ويروونه كما سمعوه من العلماء ويصدّقون عليهم فيه، اللهم فإني لأعلم أن العلم لا يأرز كله ولا ينقطع مواده، وإنّك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور كيلا تبطل حجتك ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم بل أين هم؟ وكم هم؟ أولئك الأقلّون عدداً، الأعظمون عند الله قدراً).
وفي كلامه عليه السلام إشارة إلى غيبة الحجة عليه السلام، حيث قال: (أو مكتتم مترقب إن غاب عن الناس) والاكتتام إشارة إلى عدم نصب الحجة الغائب النائب الخاص في غيبته وهي الطولى الكبرى، وأشار عليه السلام بقوله: (إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوث علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون) إلى الوظيفة في الغيبة الكبرى، وهي الرجوع إلى أحاديث الأئمّة الحجج عليهم السلام المثبتة في كتب المؤمنين الرواة منذ قديم أيام الأئمّة عليهم السلام، وأن هذه الأحاديث المأثورة عنهم هي علم الأئمّة وآدابهم، وهي منبع الدين والشريعة والهداية.
وأشار عليه السلام بقوله: (ولهذا يأرز العلم إذا لم يوجد له حملة يحفظونه ويروونه كما سمعوه من العلماء ويصدقون عليهم فيه) إلى أن العلم بالشريعة بين الناس يذهب ويقلُّ بذهاب الفقهاء والحفّاظ والرواة عن الأئمّة عليهم السلام، وهذا وجه قول الصادق عليه السلام الذي سبق حول زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير وبُريد.
وروى الصدوق في كتابه (إكمال الدين) (ص٢٨٨/ باب ٢٦/ ح٨) بسنده عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام قال: (يا علي، أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا بالنبي صلى الله عليه وآله، وحجب عنهم الحجة، فآمنوا بسوادٍ على بياض).
وروى الكشّي في كتاب (الرجال: ٤٨٤/ الرقم ٩١٥) بسنده إلى أبي هاشم الجعفري (داود بن القاسم من ذرية جعفر الطيّار رضوان الله تعالى عليه) قال: أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألّفه يونس عبد الرحمن (وهو من أصحاب الرضا عليه السلام وكان من أفقه أصحابه) على أبي الحسن العسكري عليه السلام فنظر فيه وتصفّحه كله، ثمّ قال: (هذا ديني ودين آبائي كلّه وهو الحق كلّه).
وروى الكليني بسنده عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد شينو له قال: قلت لأبي جعفر الثاني (الجواد) عليه السلام: جُعلت فداك، إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر (الباقر) وأبي عبد الله (الصادق) عليه السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم ترو عنهم، فلمّا ماتوا صارت تلك الكتب إلينا، فقال: (حدّثوا بها فإنها حق) (الكافي ٥٣:١/ باب روايه الكتب والحديث/ ح١٥) .
وروى الشيخ الجليل الأقدم ابن شعبة الحراني في كتابه (تحف العقول: ٤٠٧) عن الكاظم عليه السلام أنه كان لأبي يوسف (تلميذ أبي حنيفة وقاضي العبّاسيين) معه كلام في مجلس الرشيد، فقال الرشيد بعد كلام طويل لموسى بن جعفر عليه السلام: بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه (أي: لما وقع الكلام والمحادثه حوله) ، فقال: (نعم)، وأتى بدواة وقرطاس فكتب:
(بسم الله الرحمن الرحيم، جميع أمور الأديان أربعة: أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأمّة على الضرورة التي يضطرّون إليها، والأخبار المجمع عليها وهو الغاية المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة وأمر يحتمل الشكّ والإنكار فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع على تأويلها وسُنّة مجمع عليها لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله ولا تسع خاصة الأمّة وعامتها الشكّ فيه والإنكار له، وهذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه، وأرش الخدش فما فوقه، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين، فما ثبت لك برهانه اصطفيته، وما غمض عليك صوابه نفيته.
فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بيّنها الله ورسوله صلى الله عليه وآله في قوله لنبيّه: ((قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)) (الأنعام: ١٤٩) تبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلم العالم بعلمه، لأن الله عدل لا يجور يحتجّ على خلقه بما يعلمون يدعوهم إلى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون وينكرون).
ومضمون كتاب الكاظم عليه السلام هو مضمون ما تقدّم في بداية هذا الأمر الرابع عن الصادق عليه السلام من أن العقل وإن كان حجة يدرك به التوحيد وصفات الخالق والكمالات وحسن العدل وقبح الظلم وإحالة اجتماع النقيضين ونحوها، ولكن لا يكتفى به في معرفة مراضي الله ومعاصيه وأوامره ونواهيه، بل لا بدَّ من العلم وهو الكتاب العزيز والسُنّة المطهرة للنبي وآله (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، فهذه هي الحجج الثلاث المشار إليها في قوله عليه السلام: (فمن أورد واحدة من هذه الثلاث وهي الحجة البالغة).
كما أن المشار إليه بقوله عليه السلام: (وهذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه، وأرش الخدش فما فوقه، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين) هو ما تقدم في صدر كلامه عليه السلام من إجماع الأمّة على الضرورة والأخبار المجمع عليها أو الأمر الذي لا اختلاف فيه والذي فيه الشكّ سواء كان من الأصول أو الفروع، والمراد من العرض هو ملاحظة الأمر المشكوك سواء في أصول الدين أو فروعه ومقارنته مع الضروريات والسُنّة القطعية والمستفيضة عنهم عليهم السلام، فما وافقها اصطفى وارتضى، وما نافاها أنكر ونفي.
وهذه ضابطة وردت بها أحاديث مستفيضة كما في قول الباقر عليه السلام: (الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه) (الكافي ٥٠:١/ باب النوادر/ ح٩) .
وقال الصادق عليه السلام: (إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله، وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به) (الكافي ٦٩:١/ باب الأخذ بالسنه وشواهد الكتاب/ ح٢) ، وقال: (كل شيء مردود إلى الكتاب والسُنّة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف) (الكافي ٦٩:١/ باب الأخذ بالسنه وشواهد الكتاب/ ح٣) .
وقال الرضا عليه السلام: (إن الله حرَّم حراماً وأحلَّ حلالاً وفرض فرائض، فما جاء في تحليل ما حرَّم الله أو في تحريم ما أحلَّ الله أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك فذلك ما لا يسع الأخذ به، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن ليحرَم ما أحل الله ولا ليغيَر فرائض الله وأحكامه، كان في ذلك كلّه متبعاً مسلّماً مؤدّياً عن الله، وذلك قول الله: ((إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ)) (الأنعام: ٥٠) ، فكان عليه السلام متّبعاً لله مؤدّياً عن الله ما أمره به من تبليغ الرسالة...)، إلى أن قال: (إنّا لا نرخّص فيما لم يرخّص فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله...)، إلى أن قال: (فإما أن نستحلَّ ما حرَّم رسول الله صلى الله عليه وآله، أو نحرَم ما استحلَّ رسول الله صلى الله عليه وآله، فلا يكون ذلك أبداً، لأنّا تابعون لرسول الله صلى الله عليه وآله، مسلّمون له كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله تابعاً لأمر ربّه مسلّماً له، وقال الله عز وجل: ((ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) (الحشر: ٧) ) (عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢٣:١/ باب ما جاء في الحديثين المختلفين/ ح٤٥) .
وقال الصادق عليه السلام: (حلال محمّد صلى الله عليه وآله حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة، لا يكون غيره، ولا يجيء غيره) (الكافي ٥٨:١/ باب البدع والرأي والقياس/ ح٩) ، وقال: (قال علي: ما أحد ابتدع بدعة إلاّ ترك بها سُنّة) (الكافي ٥٨:١/ باب البدع والرأي والقياس/ ح٩) .
وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى مالك الأشتر قال: (واردد إلى الله ورسوله ما يظلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور، فقد قال الله سبحانه لقوم أحبَّ إرشادهم: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأْمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)) (نهج البلاغه ٩٣:٣/ الرقم ٥٣) فالردّ إلى الله الأخذ بمحكم كتابه، والردّ إلى الرسول الأخذ بسُنّته الجامعة غير المتفرقة) (النساء:٥٩) .
وفي (تفسير العيّاشي ج١: ص٨/ ح٦) عن سدير قال: قال أبو جعفر الباقر وأبو عبد الله (الصادق) عليهما السلام: (لا يُصدّق علينا إلاّ ما وافق كتاب الله وسُنّة نبيّه صلى الله عليه وآله).
وقد تقدّم قول الحجة عليه السلام: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا) (كمال الدين: ٤٨٤/ باب٤٥/ ح٤) وهي الأحاديث المعتبرة المأثورة عن آبائه المعصومين عليهم السلام وعنه في الغيبة الصغرى.
وقد تكرّر إرجاع الحجة عليه السلام في التوقيعات الصادرة في الغيبة الصغرى إلى الروايات المأثورة عن آبائه عليهم السلام المدوّنة في الكتب المشهورة بين الطائفة، ففي الكتاب (أي: مكتوب) لمحمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري [(قال عنه العلامه الحلي (أبو جعفر القمي كان ثقه وجيها كاتب صاحب الأمر عليه السلام وسأله مسائل في أبواب الشريعه). وقال عنه النجاشي: قال لنا أحمد بن الحسن الغضائري (أبن أستاده): (وقعت هذه المسائل إلي في أصلها والتوقيعات بين السطور)] إلى الحجة عليه السلام بتوسط النواب الأربعة سأله عن المصلّي إذا قام من التشهد الأوّل إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإن بعض أصحابنا قال: (لا يجب عليه التكبير، ويجزيه أن يقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد)؟
الجواب توقيع الحجة عليه السلام: (إن فيه حديثين: أما أحدهما: فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير، وأما الآخر: فإنه روي: أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير، وكذلك في التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى، وبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صواباً) (غيبه الطوسي: ٣٧٩/ ح٣٤٦) .
فأرجع عليه السلام السائل وهو محمّد بن عبد الله الحميري إلى الحديثين المرويين عن آبائه عليهم السلام، ثمّ أكّد على السائل الأخذ بأيّ واحد منهما والعمل به من باب التسليم والردّ في كل ما ينوبه إلى الأحاديث المنقولة عنهم عليهم السلام.
وسأل الحميري أيضاً في ضمن المسائل التي في كتابه: وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها أن العالم (هو لقب للإمام الكاظم عليه السلام) [(للكاظم عليه السلام عده ألقاب ، لشده التقيه في زمانه عليه السلام، فكانت الشيعه تكني عنه بالعالم والفقيه والعبد الصالح وغيرها من الألقاب خوفا من سلطات بني العباس)] قال: (عجباً لمن لم يقرأ في صلاته: ((إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)) (القدر:١) كيف تقبل صلاته؟).
وروي: (ما زكّت صلاة من لم يقرأ: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))).
وروي: (أن من قرأ في فرائضه: ((الهُمَزة)) أعطي من الثواب قدر الدنيا)، فهل يجوز أن يقرأ: ((الهُمَزة)) ويدع هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روي أنه لا تقبل صلاة ولا تزكوا إلاّ بهما؟.
التوقيع: (الثواب في السور على ما قد روي وإذا ترك سورة مما فيها الثواب وقرأ: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) و ((إِنَّا أَنْزَلْناهُ)) لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ وثواب السور التي ترك ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة، ولكن يكون قد ترك الفضل) (غيبه الطوسي: ٣٧٧/ ح٣٤٥) .
وسأل عن التوجّه للصلاة أن يقول: على ملّة إبراهيم ودين محمّد صلى الله عليه وآله فإن بعض أصحابنا ذكر أنه إذا قال: على دين محمّد فقد أبدع لأنّا لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا حديثاً في كتاب القاسم بن محمّد عن جدّه عن الحسن بن راشد أن الصادق عليه السلام قال للحسين (أي بن راشد): (كيف تتوجّه؟)، فقال: أقول: لبّيك وسعديك، فقال له الصادق عليه السلام: (ليس عن هذا أسألك، كيف تقول وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً؟)، قال الحسن: أقول، فقال الصادق عليه السلام: (إذا قلت ذلك فقل: على ملّة إبراهيم ودين محمّد ومنهاج علي بن أبي طالب والإئتمام بآل محمّد، حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين).
فأجاب عليه السلام: (التوجّه كلّه ليس بفريضة، والسُنّة المؤكّدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً على ملّة إبراهيم ودين محمّد وهدى أمير المؤمنين وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك اُمرت وأنا من المسلمين، اللهم اجعلني من المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثمّ اقرأ الحمد). قال الفقيه الذي لا يشكّ في علمه: (إن الدين لمحمّد والهداية لعلي أمير المؤمنين لأنها له صلى الله عليه وآله وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة، فمن كان كذلك فهو من المهتدين، ومن شكّ فلا دين له، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى) (الاحتجاج٣٠٧:٢) .
وسأل عن سجدة الشكر بعد الفريضة: فإن بعض أصحابنا ذكر أنها (بدعة) فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟
فأجاب عليه السلام: (سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها ولم يقل: إن هذه السجدة بدعة إلاّ من أراد أن يحدث بدعة في دين الله، فأما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع، فإن فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض على النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح، فالأفضل أن تكون بعد الفرائض، فإن جعل بعد النوافل أيضاً جاز) (الاحتجاج٣٠٧:٢) .
وكتب إليه عليه السلام أيضاً في سنة (٣٠٨هـ) كتاباً سأله فيه عن مسائل أخرى سأل: إن قبلنا مشايخ وعجائز يصومون رجباً منذ ثلاثين سنة وأكثر ويصلون بشعبان وشهر رمضان. وروى لهم بعض أصحابنا: أن صومه معصية؟
فأجاب عليه السلام: (قال الفقيه: يصوم منه أياماً إلى خمسة عشر يوماً إلاّ أن يصومه عن الثلاثة الأيام الفائتة، للحديث: إن نعم شهر القضاء رجب).
وسأل عن الركعتين الأخراوين قد كثرت فيها الروايات فبعض يروي: أن قراءة الحمد وحدها أفضل، وبعض يروي: أن التسبيح فيهما أفضل. فالفضل لأيّهما لنستعمله؟ فأجاب عليه السلام: (قد نسخت قراءة اُمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، والذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام: كل صلاة لا قراءة فيها فهو خداج إلاّ للعليل أو يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه).
وسأل: عن الرجل يعرض له الحاجة مما لا يدري أن يفعلها أم لا، فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما: (نعم أفعل) وفي الآخر: (لا تفعل) فيستخير الله مراراً ثمّ يرى فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلك أم لا؟ والعامل به والتارك له هو مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك؟
فأجاب عليه السلام: (الذي سَنَّه العالم [(قد ذكر المجلسي الأول قدس سره في موضع من روضته أن لقب العالم لكل المعصومين عليهم السلام لا خصوص الكاظم عليه السلام وأن هذا التخصيص إشتباه من بعض المتأخرين فتأمل)] عليه السلام في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة).
وسأل عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله وأن يدفعه إلى رجل من إخوانه ثمّ يجد في أقربائه محتاجاً أيصرف ذلك عمّن نواه له أو إلى قرابته؟
فأجاب: (يصرفه إلى أدناهما وأقربهما من مذهبه فإن ذهب إلى قول العالم عليه السلام: لا يقبل الله الصدقة وذو رحم محتاج، فليقسم بين القرابة وبين الذي نوى حتّى يكون قد أخذ بالفضل كله) (الاحتجاج ٣١٤:٢) .
أقول: فكل هذا الإرجاع من الحجة عليه السلام لأحاديث آبائه المعصومين عليهم السلام مع أنه معصوم أيضاً وقوله كقولهم حجة على العباد ليس إلاّ لتعليم الشيعة على الرجوع إلى الأحاديث المأثورة عن آبائه عليهم السلام في الغيبة الكبرى.
والأئمّة الإثنا عشر كلهم نور واحد ومشكاة واحدة، قال هشام بن سالم وهو من أجلاّء أصحاب الصادق عليه السلام، وكذلك قال حماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول صلى الله عليه وآله، وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله قول الله عز وجل) [(كما قال تعالى ((وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى)) (النجم:٤٣)، ((إن أتبع إلا ما يوحى إلي)) (الأنعام: ٥٠)، راجع الحديث في: الكافي ٥٣:١/ باب روايه الكتب والحديث/ ح١٤)] .
وقال جابر الجعفي (وهو من حواري الباقر عليه السلام): قلت لأبي جعفر عليه السلام: إذا حدّثتني بحديث فأسنده لي، فقال: (حدّثني أبي، عن جدّي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عن جبرئيل، عن الله تبارك وتعالى، وكلّ ما أحدّثك بهذا الإسناد، وقال: يا جابر لحديث واحد تأخذه عن صادق [(إشاره إلى المعصوم عليه السلام كما قال تعالى: ((وكونوا مع الصادقين)) (التوبه: ١١٩) أي المعصومين عليهم السلام)] خير لك من الدنيا وما فيها) (أمالي المفيد: ٤٢/ المجلسي٥: ح١٠) .
وروى الكليني عن الصادق عليه السلام أنه قال: (ليس يخرج شيء من
عند الله عز وجل حتّى يبدأ برسول الله صلى الله عليه وآله، ثمّ بأمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ بواحد بعد واحد، لكيلا يكون آخرنا أعلم من أوّلنا) (الكافي ٢٥٥:١/ باب لولا أن الأئمه عليهم السلام يزدادون لنفذ ما عندهم/ ح٤) .
وروى الكليني عن الحكم بن أبي نعيم قال: أتيت أبا جعفر (الباقر) عليه السلام وهو بالمدينة فقلت له: عليَّ نذر بين الركن والمقام إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنك قائم آل محمّد أم لا؟ فلم يجبني بشيء، فأقمت ثلاثين يوماً، ثمّ استقبلني في طريق فقال: (يا حكم وإنك لههنا بعد)، فقلت: نعم، إني أخبرتك بما جعلت لله عليَّ فلم تأمرني ولم تنهني عن شيء ولم تجبني بشيء، فقال: (بكّر عليَّ غدوة المنزل)، فغدوت عليه، فقال عليه السلام: (سل عن حاجتك؟)، فقلت: إني جعلت لله علي نذراً وصياماً وصدقة بين الركن والمقام إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنك قائم آل محمّد أم لا؟ فإن كنت أنت رابطتك، وإن لم تكن أنت، سرت في الأرض فطلبت المعاش، فقال: (يا حكم كلّنا قائم بأمر الله)، قلت: فأنت المهدي؟ قال: (كلّنا نهدي إلى الله)، قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال: (كلّنا صاحب السيف ووارث السيف)، قلت: فأنت الذي تقتل أعداء الله ويعزُّ بك أولياء الله ويظهر بك دين الله؟ فقال: (يا حكم كيف أكون أنا وقد بلغت خمساً وأربعين سنة؟ وإن صاحب هذا الأمر أقرب عهداً باللبن منّي وأخفُّ على ظهر الدابة) (الكافي ٥٣٦:١/ باب أن الأئمه عليهم السلام كلهم قائمون لأمر الله تعالى هادون إليه / ح١) .
                    *    *    *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رقعة لقضاء الحاجة

دعاؤه عليه السلام في الصلوات على النبي وآله (عليهم السلام) .

دعاؤه عليه السلام في الشدائد والمهمات المسمى بدعاء العلوي المصري.