في كون انقطاع النائب الخاص للإمام عليه السلام عقيدة من ضروريات مذهب الإمامية الإثني عشرية
الأمر الثاني: كلمات علماء الطائفة
قال بعض الحكماء:
إنه لا يستدل على الضروري وإنما ينبّه عليه، فما ظاهره استدلال إنما هو تنبيه، إذ بمجرد التنبه يحصل الالتفات إلى ضرورته، وهكذا ما نحن فيه وهو انقطاع النائب الخاص للإمام الحجة عليه السلام عند الإمامية، فما نسطره من كلمات العلماء الأعلام ووجوه الطائفة الإثني عشرية إنما هو تنبيه على التسالم والضرورة عندهم.
وليعلم أن معنى النائب الخاص هو استنابة الإمام عليه السلام شخصاً بخصوصه في شيء معيّن كما في قول الإمام الحسن العسكري عليه السلام: (العمري (عثمان بن سعيد) وابنه (محمّد) ثقتان فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان) (الكافي ٣٣٠:١/ باب في تسميه من رآه/ ح١) ومعنى النائب العام والمرجع الديني هو استنابة الإمام عليه السلام كل من توفّرت فيه صفات معيّنة في أمر معين كما في قول الصادق عليه السلام: (من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً) (الكافي ٦٧:١/ باب اختلاف الحديث/ ح١٠) ، وهو تنصيب للفقهاء العارفين بالأحكام عن طريق روايات الأئمّة عليهم السلام أن يقضوا بين الناس.
وكذلك قول الحجة المنتظر عليه السلام في رواية الطبرسي في كتابه الاحتجاج: (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم، فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئاً، ولا كرامة) (الأحتجاج ٢٦٣:٢) ، وهو تنصيب للفقهاء العدول كمرجع ديني لبيان الأحكام الشرعية وتعلّم الشيعة ذلك منهم وسيأتي تفصيل ذلك.
ومجمله أن النيابة الخاصة في المقام هي استنابة الإمام عليه السلام شخصاً لإيصال أقواله وأوامره للشيعة وأخذ الحقوق الشرعية كالخمس والزكاة، ولذا أطلق لفظ السفير على النواب الأربعة وهم: عثمان بن سعيد العمري، ومحمّد ابنه، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمّد السمري في الغيبة الصغرى (٢٦٠ _ ٣٢٩هـ)، حيث إن الأربعة كان عملهم كالوسيط بين الإمام عليه السلام والشيعة، ويقرب من هذا المعنى استعمال لفظة السفير في يومنا هذا على ممثلي الدولة في البلدان المختلفة. وذلك يطلق على هذا النحو من النيابة السفارة.
وأما النيابة العامة فهي استنابة الإمام عليه السلام كل من وجدت فيه صفات كما مرَّ لمنصب القضاء والإفتاء ونحو ذلك مما سيأتي بالأخذ والاستنباط من كتاب الله العزيز والروايات المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام، أي لا بالأخذ المباشر منه عليه السلام لوقوع الغيبة الكبرى حتّى يظهر ويخرج بإذن الله تعالى وذلك حين تقع علامات الظهور كالصيحة من السماء والخسف بالبيداء وخروج السفياني وقتل النفس الزكية بمكّة.
ولنذكر كلمات العلماء الذين هم أمناء الأئمّة عليهم السلام على الحلال والحرام والفرائض والسنن:
قال الشيخ أبو القاسم بن محمّد بن قولويه _ صاحب كتاب (كامل الزيارات) أستاذ الشيخ المفيد في الفقه والذي قال النجاشي فيه: كلّما يوصف به الناس من جميل وفقه فهو فوقه _: (إن عندنا _ أي الطائفة الإمامية الشيعية _ أن كل من ادعى الأمر _ أي السفارة والباب _ بعد السمري _ آخر النواب الأربعة في الغيبة الصغرى _ فهو كافر منمّس _ محتال _ ضال مضلّ) (غيبه الطوسي: ٢٥٥) .
قال الشيخ سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي _ الذي قال عنه النجاشي (في رجاله: ١٧٧) : يكنّى أبا القاسم جليل القدر واسع الأخبار شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها _ في كتاب (المقالات والفرق) (ص ١٠٢) :
(فنحن متمسكون بإمامة الحسن بن علي عليه السلام مقرّون بوفاته موقنون مؤمنون بأن له خلفاً من صلبه متديّنون بذلك وأنه الإمام من بعد أبيه الحسن بن علي وأنه في هذه الحالة مستتر خائف مغمور مأمور بذلك حتّى يأذن الله عز وجل له فيظهر ويعلن أمره، كظهور من مضى من آبائه إذ الأمر لله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء ويأمر بما يريد من ظهور وخفاء ونطق وصموت كما أمر رسوله صلى الله عليه وآله في حال نبوّته بترك إظهار أمره والسكوت والإخفاء من أعدائه والاستتار وترك إظهار النبوة التي هي أجلّ وأعظم وأشهر من الإمامة، فلم يزل كذلك سنين إلى أن أمره بإعلان ذلك وعند الوقت الذي قدّره تبارك وتعالى فصارع بأمره وأظهر الدعوة لقومه.
ثمّ بعد الإعلان بالرسالة وإقامة الدلائل المعجزة والبراهين الواضحة اللازمة بها الحجة وبعد... قريش وسائر الخلق من عرب وعجم وما لقي من الشدة ولقيه أصحابه من المؤمنين أمرهم بالهجرة إلى الحبشة، وأقام هو مع قومه حتّى توفّي أبو طالب فخاف على نفسه وبقية أصحابه، فأمره الله عند ذلك بالهجرة إلى المدينة المنورة وأمره بالاختفاء في الغار والاستتار من العدو، فاستتر أياماً خائفاً مطلوباً حتّى أذن الله له وأمره بالخروج.
وكيف بالغريب الوحيد الشريد الطريد المطلوب الموتور بأبيه وجدّه هنا مع القوم المشهور من أمير المؤمنين على المنبر: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة. إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً. لئلاّ تبطل حجج الله وبيناته) (نهج البلاغه ٢٧:٤/ الرقم١٤٧) وبذلك جاءت الأخبار الصحيحة المشهورة عن الأئمّة.
وليس على العباد أن يبحثوا عن أمور الله ويقفوا أثر ما لا علم لهم به ويطلبوا إظهاره فستره الله عليهم وغيّبه عنهم قال الله عز وجل لرسوله: ((وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)) (الإسراء: ٣٦) فليس يجوز لمؤمن ولا مؤمنة طلب ما ستر الله ولا البحث عن اسمه وموضعه ولا السؤال عن أمره ومكانه حتّى يؤمروا بذلك، إذ هو عليه السلام غائب خائف مغمور مستور بستر الله متبع لأمره عز وجل ولأمر آبائه.
بل البحث عن أمره وطلب مكانه والسؤال عن حاله وأمره محرّم لا يحل ولا يسع، لأن في طلب ذلك وإظهاره ما ستره الله عنّا وكشفه وإعلان أمره والتنويه باسمه معصية الله والعون على سفك دمه عليه السلام ودماء شيعته وانتهاك حرمته أعاذ الله من ذلك كل مؤمن ومؤمنة برحمته وفي ستر أمره والسكوت عن ذكره حقنها، وصيانتها سلامة ديننا والانتهاء إلى أمر الله وأمر أئمّتنا وطاعتهم، وفّقنا الله وجميع المؤمنين لطاعته ومرضاته بمنّه ورأفته.
ولا يجوز لنا ولا لأحد من الخلق أن يختار إماماً برأيه ومعقوله واستدلاله، وكيف يجوز هذا وقد حظّره الله جلَّ وتعالى على رسله وأنبيائه وجميع خلقه، فقال في كتابه إذ لم يجعل الاختيار إليهم في شيء من ذلك: ((وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)) (الأحزاب: ٣٦) ، وقال: ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)) (القصص: ٦٨) ، وإنما اختيار الحجج والأئمّة إلى الله عز وجل وإقامتهم إليه فهو يقيمهم ويختارهم ويخفيهم، وإذا شاء يقيمهم فيظهرهم ويعلن أمرهم إذا أراد ويستره إذا شاء فلا يبديه، لأنه تبارك وتعالى أعلم بتدبيره في خلقه وأعرف بمصلحتهم، والإمام أعلم بأمور نفسه وزمانه وحوادث أمور الله منّا... إلى أن قال:
فهذه سبيل الإمامة وهذا المنهاج الواضح والغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإمامية المهتدية رحمة الله عليها، وعلى ذلك كان إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن علي رضوان الله عليه).
وقال أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي المتكلم الفيلسوف من أكابر الطائفة وعظماء سلالة بني النوبخت في كتابه (فرق الشيعة) (ص ١٠٩) : (فنحن مستسلمون بالماضي (العسكري) وإمامته مقرّون بوفاته معترفون بأن له خَلَفاً قائماً من صلبه وأن خَلَفه هو الإمام من بعده حتّى يظهر ويعلن أمره كما ظهر وعلن أمر من مضى قبله من آبائه... إلى أن قال:
وبه جاءت الأخبار الصحيحة عن الأئمّة الماضين، لأنه ليس للعباد أن يبحثوا عن أمور الله ويقفوا بلا علم ويطلبوا آثار ما ستر عنهم...
وقد رويت أخبار كثيرة أن القائم تخفى عن الناس ولادته ويخمل ذكره ولا يعرف... إلى أن قال:
فهذا سبيل الإمامة والمنهاج الواضح اللاحب الذي لم تزل الشيعة الإمامية الصحيحة التشيّع عليه).
وقال الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد) في باب ذكر القائم وتاريخ مولده ودلائل إمامته (الإرشاد ٣٤٠:٢) : (وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده، وبدولته مستفيضاً قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمّة الهدى عليهم السلام والقائم بالحق المنتظر لدولة الإيمان، وله قبل قيامه غيبتان إحداهما أطول من الأخرى، كما جاءت بذلك الأخبار.
فأما القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة.
وأما الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف، قال الله عز وجل: ((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)) (القصص: ٥و٦) ، وقال جلَّ اسمه: ((وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)) (الأنبياء: ١٠٥) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لن تنقضي الأيام والليالي حتّى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) (الإرشاد ٣٤٠:٢، مسند أحمد ٣٧٦:١؛ سنن الترمذي ٣٤٣:٣) ).
وقال قدس سره في الرسائل الخمس التي ألّفها في الغيبة في الرسالة الثانية (رسائل في الغيبه١٣:١) : (فإن قال: إذا كان الإمام عندكم غائباً ومكانه مجهولاً فكيف يصنع المسترشد، وعلى ماذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لا يعرف له حكماً وإلى من يرجع المتنازعون لاسيّما والإمام إنما نصب لما وصفناه؟ قيل له: هذا السؤال مستأنف لا نسبة له بما تقدم ولا صلة بينه وبينه وقد مضى السؤال الأوّل في معنى الخبر وفرض المعرفة.
وجوابه على انتظام ونحن نجيب عن هذا المستأنف بموجز لا يخل بمعنى التمام وبالله التوفيق فنقول: إنما الإمام نصب لأشياء كثيرة، أحدها: الفصل بين المختلفين.
الثاني: بيان الحكم للمسترشدين. ولم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا والدين، غير أنه إنما يجب عليه القيام فيما نصّب له مع التمكن من ذلك والاختيار وليس يجب عليه شيء لا يستطيعه، ولا يلزمه فعل الإيثار مع الاضطرار، ولم يؤت الإمام في التقيّة من قبَل الله عز وجل ولا من جهة نفسه وأوليائه المؤمنين، وإنما أتى ذلك من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه ونفوا نسبه وأنكروا حقّه وحملوا الجمهور على عداوته ومناصبة القائلين بإمامته، وكانت البلية فيما تتضيّع من الأحكام وتتعطّل من الحدود ويفوت من الصلاح متعلقة بالظالمين، وإمام الأنام بريء منها وجميع المؤمنين.
فأما الممتحن بحادث يحتاج إلى علم الحكم فيه فقد وجب عليه أن يرجع ذلك إلى العلماء من شيعة الإمام وليعلم ذلك من جهتهم مما استودعوه من أئمّة الهدى المتقدمين، وإن عدم ذلك والعياذ بالله ولم يكن فيه حكم منصوص على حال فيعلم أنه على حكم العقل، لأنه لو أراد الله أن يتعبّد فيه بحكم سمعي لفعل ذلك ولو فعله لسهل السبيل إليه.
وكذلك القول في المتنازعين يجب عليهم ردّ ما اختلفوا فيه إلى الكتاب والسُنّة عن رسول الله صلى الله عليه وآله من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين ويستغنوا في معرفة ذلك بعلماء الشيعة وفقهائهم، وإن كان _ والعياذ بالله _ لم يوجد فيما اختلفوا فيه نصٌّ على حكم سمعي فليعلم أن ذلك مما كان في العقول مثل أن من غصب إنساناً شيئاً فعليه ردُّه بعينه إن كانت عينه قائمة فإن لم تكن عينه قائمة كان عليه تعويضه بمثله وإن لم يوجد له، مثل: كان له أن يرضي خصمه بما تزول معه ظلامته، فإن لم يستطع ذلك أو لم يفعله مختاراً كان في ذمته إلى يوم القيامة، فإن كان جان جنى على غيره جناية لا يمكن تلافيها كانت في ذمته وكان المجني عليه ممتحناً بالصبر إلى أن ينصفه الله تعالى يوم الحساب، فإن كان الحادث مما لا يعلم بالسمع إباحته من حظره فإنّه على الإباحة إلاّ أن يقوم دليل سمعي على حظره.
وهذا الذي وصفناه إنما جاز للمكلف الاعتماد عليه والرجوع إليه عند الضرورة بفقد الإمام المرشد، ولو كان الإمام حاضراً ما وسعه غير الردّ والعمل على قوله، وهذا قول خصومنا كافة: إن على الناس في نوازلهم بعد النبي صلى الله عليه وآله أن يجتهدوا فيها عند فقدهم النصّ عليها، ولا يجوز لهم الاجتهاد واستعمال الرأي بحضرة النبي صلى الله عليه وآله.
فإن قال: فإذا كانت عبادتكم تتمّ بما وصفتموه مع غيبة الإمام فقد استغنيتم عن الإمام.
قيل له: ليس الأمر كما ظننت في ذلك، لأن الحاجة إلى الشيء وقد تكون قائمة مع فقد ما يسدّها، ولولا ذلك ما كان الفقير محتاجاً إلى المال مع فقده، ولا المريض محتاجاً إلى الدواء وإن بعد وجوده، والجاهل محتاجاً إلى العلم وإنْ عدم الطريق إليه، والمتحير إلى الدليل وإن لم يظفر به.
ولو لزمنا ما ادّعيتموه وتوهّمتموه للزم جميع المسلمين أن يقولوا: إن الناس كانوا في غيبة النبي صلى الله عليه وآله للهجرة وفي الغار مستغنين عنه، وكذلك حالهم في وقت استتاره بشعب أبي طالب عليه السلام، وكان قوم موسى عليه السلام أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه، وكذلك أصحاب يونس عليه السلام أغنياء عنه لما ذهب مغضباً والتقمه الحوت وهو مليم، وهذا مما لا يذهب إليه مسلم ولا ملّي فيُعلم بذلك بطلان ما ظنّه الخصوم وتوهّموه على الظنّة والرجوم وبالله التوفيق).
وقال طيّب الله رمسه في الرسالة الرابعة في الغيبة (رسائل في الغيبه١٣:٤) : (المهدي الذي يظهر الله به الحق، ويبيد بسيفه الضلال، وكان المعلوم أنه لا يقوم بالسيف إلاّ مع وجود الأنصار واجتماع الحفدة والأعوان، ولم يكن أنصاره عليه السلام عند وجوده متهيّئين إلى هذا الوقت موجودين، ولا على نصرته مجتمعين، ولا كان في الأرض من شيعته طراً من يصلح للجهاد وإن كان يصلحون لنقل الآثار وحفظ الأحكام والدعاء له بحصول التمكن من ذلك إلى الله عز وجل لزمته التقية ووجوب فرضها عليه كما فرضت على آبائه عليهم السلام، لأنه لو ظهر بغير أعوان لألقى نفسه بيده إلى التهلكة، ولو أبدى شخصه للأعداء لم يألوا جهداً في إيقاع الضرر به واستئصال شيعته وإراقة دمائهم على الاستحلال، فيكون ذلك أعظم للفساد في الدين والدنيا).
وقال الشيخ الصدوق (هو الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المشتهر بالصدوق، أحد أعلام الإماميه الإثني عشريه في القرن الرابع، ولد بدعاء صاحب الزمان عليه السلام وصدر فيه من ناحيته المقدسه عليه السلام 《فقيه خير مبارك》، وأما والده علي بن بابويه فأشهر من أن يعرف وكان وكيلا للأئمه عليهم السلام في قم) رضوان الله تعالى عليه في كتابه (إكمال الدين وإتمام النعمة) في الباب الثاني والأربعين ما روي في ميلاد القائم عليه السلام (ص ٤٢٤) : بسنده إلى غياث بن أسيد قال: ولد الخلف المهدي عليه السلام يوم الجمعة، واُمّه ريحانة ويقال لها: نرجِس، ويقال لها: صقيل، ويقال: سوسن، إلاّ أنه قيل لسبب الحمل: صقيل، وكان مولده عليه السلام لثمان خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين، ووكيله عثمان بن سعيد، فلمّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري رضوان الله عليهم، قال: فلمّا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه).
وقال رفع الله درجته في أعلى عليين في الكتاب المزبور في الباب الخامس والأربعين في ذكر التوقيعات (ص ٤٨٢) : (حدّثنا أبو محمّد الحسن بن محمّد المكتّب (من مشايخ الصدوق، ترحم عليه في كتابه كمال الدين) ، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفى فيها الشيخ علي بن محمّد السمري _ قدس الله روحه _ فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله عز وجل، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جوراً.
وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم).
قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، ومضى رضي الله عنه، فهذا آخر كلام سمع منه).
وقال عطر الله مرقده في مقدمة كتابه المزبور: (إن الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا: أنّي لما قضيت وطري من زيارة علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه رجعت إلى نيسابور وأقمت بها فوجدت أكثر المختلفين إليَّ من الشيعة قد حيّرتهم الغيبة ودخلت عليهم في أمر القائم عليه السلام الشبهة وعدلوا عن طريق التسليم إلى الآراء والمقاييس، فجعلت أبذل مجهودي في إرشادهم إلى الحق وردّهم إلى الصواب بالأخبار الوارد في ذلك عن النبي والأئمّة صلوات الله عليهم).
وقال الشيخ الطوسي (هو السيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي نسبه إلى طوي من مدن خراسان، شيخ الطائفه الإماميه، صاحب التصانيف في أكثر العلوم والفنون والتي تهد أصلا في بابها، وهو مؤسس الحوزه العلميه في النجف الأشرف، تتلمذ على الشيخ المفيد والسيد الشريف المرتضى، توفي ٤٦٠هـ) في كتاب الغيبة (ص ٣٩٣) : (ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمّد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه وانقطاع الاعلام به وهم الأبواب: أخبرني جماعة عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، (قال): قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، عن الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن خليلان، قال: حدّثني أبي، عن جدّه عتاب _ من ولد عتاب بن أسيد _، (قال): ولد الخلف المهدي صلوات الله عليه يوم الجمعة واُمّه ريحانة، ويقال لها: نرجِس، ويقال: صقيل، ويقال لها: سوسن، إلاّ أنه قيل بسبب الحمل: صقيل.
وكان مولده لثمان خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين ووكليه عثمان بن سعيد أوصى إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان رحمه الله، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري رضي الله عنه، فلمّا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال: (لله أمر هو بالغه)، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه.
(وأخبرني) محمّد بن محمّد بن النعمان (الشيخ المفيد)، والحسين بن عبيد الله (الغضائري) [(الغضائري: جليل القدر، أستاذ الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي، صاحب الرجال. قال الأول فيه: (كثير السماع عارف بالرجال، وله تصانيف)، وقال الثاني فيه: (شيخنا رحمه الله له كتب) ثم ذكر كتبه)] ، عن أبي عبد الله محمّد بن أحمد الصفواني [(الصفواني: قال عنه النجاشي (شيخ الطائفه ثقه فقيه فاضل)، وهو محمد بن أحمد كما في مشيخه التهذيب والإستبصار في كتب الرجال، يروي عنه المفيد والغضائري)] ، قال: أوصى الشيخ أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري رضي الله عنه فقام بما كان إلى أبي القاسم، فلمّا حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه، فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن.
(وأخبرني) جماعة، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، قال: حدّثنا أبو الحسن صالح بن شعيب الطالقاني رحمه الله في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، قال: حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلد، قال: حضرت بغداد عند المشايخ رحمهم الله فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدس سره ابتداء منه: (رحم الله علي بن
الحسين بن بابويه القمي)، قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم، فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم، ومضى أبو الحسن السمري رضي الله عنه بعد ذلك في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة.
(وأخبرنا) جماعة، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، قال: حدّثني أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتّب (تقدم أنه من مشايخ الصدوق وأنه ترحم عليه في كتابه إكمال الدين) ، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدس سره فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم).
(قال): فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: (لله أمر هو بالغه) وقضى، فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه.
(وأخبرني) الحسين بن إبراهيم، عن أبي العبّاس بن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمّد الكاتب، أن قبر أبي الحسن السمري رضي الله عنه في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول قريب من شاطئ نهر أبي عتاب (في يومنا هذا قبره معروف في بغداد، وكذلك بقيه النواب الأربعه) ، وذكر أنه مات رضي الله عنه في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة). انتهى كلام الشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة).
وقال الشيخ الأجل ابن أبي زينت محمّد بن إبراهيم النعماني من أعلام القرن الرابع، والتلميذ الخصّيص بالشيخ الكليني صاحب كتاب (الكافي)، قال في كتابه الغيبة في فصول ما روي في غيبة الإمام المنتظر عليه السلام (ص ١٦١) : (هذه الروايات التي قد جاءت متواترة تشهد بصحة الغيبة وباختفاء العلم والمراد بالعلم الحجة للعالم، وهي مشتملة على أمر الأئمّة عليهم السلام للشيعة بأن يكونوا فيها على ما كانوا عليه ولا يزالون ولا ينتقلون، بل يثبتون ولا يتحولون ويكونون متوقعين لما وعدوا به، وهم معذورون في أن لا يروا حجتهم وإمام زمانهم في أيام الغيبة، وضيق عليهم في كل عصر وزمان قبله أن لا يعرفوه بعينه واسمه ونسبه، ومحظور عليهم الفحص والكشف عن صاحب الغيبة والمطالبة باسمه أو موضعه أو غيابه أو الإشادة بذكره، فضلاً عن المطالبة بمعاينته، وقال لنا: إيّاكم والتنويه، وكونوا على ما أنتم عليه، وإيّاكم والشكّ، فأهل الجهل الذين لا علم لهم بما أتى عن الصادقين عليهما السلام من هذه الروايات الواردة للغيبة وصاحبها يطالبون بالإرشاد إلى شخصه والدلالة على موضعه، ويقترحون إظهاره لهم، وينكرون غيبته، لأنهم بمعزل عن العلم وأهل المعرفة، مسلّمون لما اُمروا به، ممتثلون له، صابرون على ما ندبوا إلى الصبر عليه، وقد أوقفهم العلم والفقه مواقف الرضا عن الله والتصديق لأولياء الله والامتثال والانتهاء عمّا نهوا عنه، حذرون ما حذّر الله في كتابه من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمّة الذين هم في وجوب الطاعة بمنزلته لقوله: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)) (النور: ٦٣) ، ولقوله: ((أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأْمْرِ مِنْكُمْ)) (النساء:٥٩) ، ولقوله: ((وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)) (المائده: ٩٢) .
وفي قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل _ حديث عبد الله بن سنان _: (كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يرى)، دلالة على ما جرى وشهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الإمام عليه السلام وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم وانقطاع نظامهم، لأن السفير بين الإمام في حال غيبته وبين شيعته هو العلم، فلمّا تمّت المحنة على الخلق ارتفعت الأعلام ولا ترى حتّى يظهر صاحب الحق عليه السلام ووقعت الحيرة التي ذكرت وآذننا بها أولياء الله. وصحَّ أمر الغيبة الثانية التي يأتي شرحها وتأويلها فيما يأتي من الأحاديث بعد هذا الفصل، نسأل الله أن يزيدنا بصيرة وهدى ويوفقنا لما يرضيه برحمته).
ثمّ إنه قدس الله لطيفه روى في الفصل اللاحق عدّة أحاديث في أن للقائم عليه السلام غيبتين نذكر نبذة منها: قال بعد ذكر سنده إلى إبراهيم بن عمر اليماني، قال: سمعت أبا جعفر (الباقر) عليه السلام يقول: (إن لصاحب هذا الأمر غيبتين)، وسمعته يقول: (لا يقوم القائم ولأحد في عنقه بيعة).
وروى بسنده إلى أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (الصادق) عليه السلام: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: (لقائم آل محمّد غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى)، فقال: (نعم، ولا يكون ذلك حتّى يختلف سيف بني فلان، وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتد البلاء، ويشمل الناس موت وقتل يلجأون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله).
وروى بسنده إلى المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، يرجع في إحداهما إلى أهله، والأخرى يقال: هلك، في أيّ وادٍ سلك؟)، قلت: كيف نصنع إذا كان ذلك؟ قال: (إن ادّعى مدّع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله).
ثمّ قال الشيخ النعماني (الغيبه: ١٧٨) : هذه الأحاديث التي يذكر فيها أن للقائم عليه السلام غيبتين أحاديث قد صحّت عندنا بحمد الله وأوضح الله قول الأئمّة عليهم السلام وأظهر برهان صدقهم فيها، فأما الغيبة الأولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام عليه السلام وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان يخرج على أيديهم غوامض العلم وعويص الحكم والأجوبة عن كل ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيامها وتصرّمت مدّتها، والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط للأمر الذي يريده الله تعالى والتدبير الذي يمضيه في الخلق، ولوقوع التمحيص والامتحان والبلبلة والغربلة والتصفية على من يدّعي هذا الأمر، كما قال الله تعالى: ((ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)) (آل عمران: ١٧٩) ، وهذا زمان قد حضر جعلنا الله فيه من الثابتين على الحق وممن لا يخرج في غربال الفتنة، فهذا معنى قولنا: (له غيبتان)، ونحن في الأخيرة نسأل الله أن يقرّب فرج أوليائه منها ويجعلنا في حيّز خيره وجملة التابعين لصفوته).
وروى قدس سره في الباب الرابع عشر في العلامات التي تكون قبل قيامه عليه السلام (ص ٢٥٥) بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (لا يقوم القائم حتّى يقوم اثنا عشر رجلاً كلهم يجمع على قول أنهم قد رأوه فيكذّبهم).
وقال الشيخ العلامة زين المحدّثين محمّد بن الفتال النيسابوري (وهو أستاذ صاحب معالم العلماء الحافظ بن محمد بن علي بن شهر آشوب السروي) الشهيد في سنة (٥٠٨هـ) في كتابه (روضة الواعظين: ٢٦٦) : (وروي أنه ولد يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين قبل وفاة أبيه بسنتين وسبعة أشهر والأوّل هو المعتمد (أي سنة خمس وخمسين)، وبابه عثمان بن سعيد، فلمّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري، فلمّا حضرت السمري الوفاة سُئل أن يوصي، فقال: إن الله بالغ أمره، وقد انتظر عليه السلام لدولة الحق).
وقال الشيخ أمين الإسلام (وهو صاحب (مجمع البيان) كتاب التفسير المعروف، وهو من أعلام القرن السادس في علماء الطائفه) أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي قدس سره في كتابه (إعلام الورى بأعلام الهدى) (ج٢ ص٢٥٩) عند ذكره الدلائل على إمامة الإمام الثاني عشر عليه السلام في الباب الثالث، وبعد ذكره لرواية أبي بصير التي تقدم ذكرها وفيها الأخبار بالغيبتين قال: (فانظر كيف قد حصلت الغيبتان لصاحب الأمر على حسب ما تضمّنت الأخبار السابقة لوجوده عن آبائه وجدوده.
أما غيبته الصغرى منهما فهي التي كان فيها سفراؤه موجودين وأبوابه معروفين لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي فيهم، فمنهم [(هؤلاء الجماعه فيهم وكلاء مباشرون وهم السفراء الأربعه والآخرون وكلاء بالواسطه أي بواسطه الأربعه، وهذا الذي ذكره الشيخ الطوسي في كتابه الغيبه (وقد كان في زمان السفراء المحدودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفاره من الأصل) ثم ذكر عده كثيره منهم، ومعناه أن الوكلاء بالواسطه كانوا كثيرين تصلهم التوقيعات عبر النواب الأربعه الذين هم وكلاء بالمباشره)] : أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمّد بن علي بن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمّان (العمري)، وابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان، وعمر الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمّد الوجناني، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمّد بن إبراهيم، في جماعة أخرى ربما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم.
وكانت مدّة هذه الغيبة أربعاً وسبعين سنة، وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري باباً لأبيه وجدّه (أي لأبي الإمام الثاني عشر وجده) من قبل وثقة لهما، ثمّ تولّى الباقية من قبله وظهرت المعجزات على يده ولما مضى لسبيله قام ابنه أبو محمّد مقامه رحمهما الله بنصّه عليه، ومضى على منهاج أبيه في آخر جمادي الآخرة من سنة أربع أو خمس وثلاثمائة وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنصّ أبي جعفر محمّد بن عثمان عليه وأقامه مقام نفسه ومات في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمّد السمري بنصّ أبي القاسم عليه وتوفّى لنصف من شعبان سنة ثمان وعشرون وثلاثمائة).
ثمّ ذكر رواية أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتّب التي سبق ذكرها والتي فيها وقوع الغيبة التامة وانقطاع السفراء وكذب من يدّعي المشاهدة أي السفارة والنيابة حتّى يظهر بعلامات الصيحة وخروج السفياني، ثمّ قال: (ثمّ حصلت الغيبة الطولى التي نحن في أزمانها والفرج يكون في آخرها بمشيئة الله تعالى) (وقد ذكر صاحب كشف الغمه في معرفه الأئمه العلامه المحقق أبي الحسن علي بن عيسى الإربلي قدس سره عين ما ذكره الطوسي بالفاظه) .
وقال رحمه الله في الباب الخامس في حل الشبهات في غيبته عليه السلام (إعلام الورى ٣٠١:٢) : (فإن قالوا: الحق مع غيبة الإمام كيف يدرك؟ فإن قلتم: يدرك ولا يوصل إليه فقد جعلتم الناس في حيرة وضلال مع الغيبة، وإن قلتم: يدرك الحق من جهة الأدلّة المنصوص بها عليه فقد صرّحتم بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلّة، وهذا يخالف مذهبكم.
الجواب: إن الحق على ضربين: عقلي وسمعي، فالعقلي يدرك ولا يؤثر فيه وجود الإمام ولا فقده، والسمعي عليه أدلّة منصوبة من أقوال النبي صلى الله عليه وآله ونصوصه وأقوال الأئمّة الصادقين عليهم السلام قد بيّنوا ذلك وأوضحوه غير أن ذلك وإن كان على ما قلناه فالحاجة إلى الإمام مع ذلك ثابتة، لأن جهة الحاجة مستمرة في كل عصر وعلى كل حال هي كونه لطفاً لنا في الفعل الواجب العقلي من الإنصاف والعدل واجتناب الظلم والبغي، وهذا مما لا يقوم غيره مقامه فيه).
وقال الشيخ أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي وهو من الأعلام في القرن الخامس في كتاب (الاحتجاج، ج٢ ص٢٩٧) : (وأما الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأوّلهم: الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري نصّبه أوّلاً أبو الحسن علي بن محمّد العسكري ثمّ ابنه أبو محمّد الحسن، فتولّى القيام بأمورهما حال حياتهما عليهما السلام، ثمّ بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السلام وكان توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه.
فلمّا مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان مقامه وناب منابه في جميع ذلك، فلمّا مضى هو قام أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت، فلمّا مضى هو قام مقامه أبو الحسن علي بن محمّد السمري.
ولم يقم أحد منهم بذلك إلاّ بنصّ عليه من قِبل صاحب الأمر عليه السلام ونصب صاحبه الذي تقدّم عليه ولم تقبل الشيعة قولهم إلاّ بعد ظهور آية معجزة على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام تدلُّ على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم، فلمّا حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله، قيل له: إلى من توصي؟ فأخرج إليهم توقيعاً نسخته...) ثمّ ذكر التوقيع الذي مرَّ ذكره.
وقال العلامة الحلي قدس سره في كتاب (الرجال ص١٤٨/ الرقم ٥٧) في ترجمة محمّد
بن عثمان العمري: (يكنّى أبا جعفر وأبوه أبا عمرو جميعاً وكيلان من جهة صاحب الزمان عليه السلام ولهما منزلة عظيمة جليلة عند الطائفة... إلى أن قال:
وقال عند موته: اُمرت أن أوصي إلى أبي القاسم بن روح وأوصي إليه، وأوصي أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري، فلمّا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه، والغيبة الثانية هي التي وقعت بعد السمري).
وذكر ابن داود الحلي في كتاب (الرجال، ص١٧٨) عين ذلك بألفاظه في الترجمة المذكورة.
وقال الخواجه نصير الدين الطوسي في كتاب (تجريد الاعتقاد) في المقصد الخامس في الإمامة [(ص٣٦٢/ط جماعه المدرسين، سنه (١٤٠٧هـ)] : (المسألة الأولى في أن نصب الإمام واجب على الله تعالى. و... وانحصار اللطف فيه معلوم للعقلاء ووجوده لطف وتصرفه لطف آخر وعدمه منّا).
وشرح العلامة الحلي قدس سره العبارة بقوله: (لطف الإمامة يتم بأمور منها: ما يجب على الله تعالى وهو خلق الإمام وتمكينه بالتصرف والعلم والنصّ عليه باسمه ونسبه، وهذا قد فعله الله تعالى، ومنها: ما يجب على الإمام وهو تحمله للإمامة وقبوله وهذا قد فعله الإمام، ومنها: ما يجب على الرعية وهو مساعدته والنصرة له وقبول أوامره وامتثال قوله، وهذا لم يفعله الرعية فكان منع اللطف الكامل منهم لا من الله تعالى ولا من الإمام) (شرح التجريد: ٣٦٣/ ط جماعه المدرسين) .
وقال العلامة المجلسي رفع الله درجته في (شرح كتاب الكافي) في ذيل الأحاديث المتعرضة لوقوع الغيبتين قال: (واعلم أنه كان له عليه السلام غيبتان أوّلهما: الصغرى، وهي زمان وفاة أبي محمّد العسكري عليه السلام وهو لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستين ومائتين إلى وقت وفاة رابع السفراء أبي الحسن علي بن محمّد السمري وهو النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة فتكون قريباً من سبعين.
والعجب من الشيخ الطبرسي والسيد ابن طاووس أنهما وافقا في التاريخ الأوّل وقالا في وفاة السمري توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ومع ذلك ذكرا أن مدّة الغيبة الصغرى أربع وسبعون ولعلَّهما عدّا ابتداء الغيبة من ولادته عليه السلام.
وأما سفراؤه عليه السلام فأوّلهم أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري فلمّا توفي رضي الله عنه نصَّ على ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان فقام مقامه وهو الثاني من السفراء وتوفي رضي الله عنه سنة أربع وثلاثمائة، وقيل: خمس وثلاثمائة وكان يتولّى هذا الأمر نحو من خمسين سنة، فلمّا دنت وفاته أقام أبا القاسم الحسين بن روح النوبختي مقامه وتوفى أبو القاسم قدس الله روحه في شعبان سنة ستٍ وعشرين وثلاثمائة، فلمّا دنت وفاته نصَّ على أبي الحسن علي بن محمّد السمري، فلمّا حضرت السمري رضي الله عنه الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه، ومات روّح الله روحه في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، كل ذلك ذكره الشيخ رحمه الله [(ويعني به الشيخ الطوسي قدس سره، وقد سميت تلك السنه بسنه تناثر النجوم تاره، وبسنه تهافتت فيها الكواكب، كما ذكر ذلك الشيخ الطوسي في رجاله في ترجمه الصدوق الأب (علي بن الحسين)، وذكر ذلك النجاشي في رجاله في ترجمته، وسبب التسميه هو كثره من مات فيها من أعلام الطائفه كالنائب الرابع والصدوق الأب والكليني)].
وقال الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد (ج٢ ص٣٤٠) : (وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده وبدولته مستفيضاً قبل غيبته وهو صاحب السيف من أئمّة الهدى عليهم السلام والقائم الحق المنتظر لدولة الإيمان وله قبل قيامه غيبتان إحداهما أطول من الأخرى كما جاءت بذلك الأخبار، فأما القصرى فمنذ وقت ولادته إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة، وأما الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف).
وروى الصدوق في كمال الدين (ص٤٣٢/ باب٤٢/ ح١٢) قال: كان مولده صلوات الله عليه لثمان ليال خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين، ووكيله عثمان بن سعيد رضي الله عنه، فلمّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري رضوان الله عليهم، فلمّا حضرت السمري رضي الله عنه الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه).
وقال السيد عبد الله الشبر [(هو السيد العلامه عبد الله بن السيد محمد رضا صاحب المؤلفات منها جامع الأحكام في الأخبار وهو قرابه (٢٠) مجلدا وغيرها ممايقارب (٧٠) كتابا وهو من أعلام القرن الثالث عشر)] في كتابه (حق اليقين في معرفة أصول الدين) في المقصد الثالث من أحوال الغائب المستتر عليه السلام: (في بعض معجزاته وأحوال سفرائه: قال الطبرسي قدس سره في الاحتجاج: أما الأبواب المرضيون...)، وذكر كل ما تقدم ذكره عن الطبرسي في كتاب الاحتجاج.
ومن وضوح انقطاع السفارة وانقطاع النائب المباشر المتصل بالحجة عليه السلام أخذ علماء العامة بالتشنيع على الشيعة بأنكم تستدلّون على ضرورة وجود المعصوم لهداية الأنام ولتدبير الأمور وإقامة العدل والقسط فكيف تناقضون ذلك بالالتزام بالغيبة والاستتار والانقطاع، ولكن علماء الإمامية لم يتركوا لهذه الأوهام مجالاً وأخذوا بالجواب عنها، وقد تقدّم طرفاً من ذلك في الكلمات التي نقلناها وأن الحرمان من ظهور المعصوم وتصرّفه وتدبيره سببه راجع إلى الرعية والمكلفين من الخذلان وعدم الوقوف إلى جانب الحق والعدل، وأنه حين يكتمل نصاب الأنصار والأعوان يكتب الله تعالى فرجه الشريف.
ومن شاء مراجعة هذه السجالات بين علماء الفريقين فليسرح النظر في ما ألّفه علماء الإمامية من الكتب باسم الغيبة أو التي تبحث عن حياة الحجة عليه السلام، وكل ذلك مما ينبّه على كون انقطاع النائب الخاص والسفير من ضروريات المذهب حتّى عرفه علماء أهل السُنّة ولنذكر بعض كلماتهم، وعلى القارئ مراجعة البقية في مظانّها إن شاء الاطلاع عليها.
قال الشهرستاني [(أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، توفي سنه (٥٤٨ هـ) وهو شافعي الفروع أشعري الأصول)] في كتاب (الملل والنحل) (ج١: ص١٧٢) : (ومن العجب! أنهم قالوا: الغيبة قد امتدّت مائتين ونيفاً وخمسين سنة، وصاحبنا قال: إن خرج القائم وقد طعن في الأربعين فليس بصاحبكم. ولسنا ندري كيف تنقضي مائتان ونيف وخمسون سنة في أربعين سنة، وإذا سُئل القوم عن مدّة الغيبة كيف تتصور؟ قالوا: أليس الخضر وإلياس عليهما السلام يعيشان في الدنيا من آلاف السنين لا يحتاجان إلى طعام وشراب، فلِمَ لا يجوز ذلك في واحد من آل البيت؟ قيل لهم: ومع اختلافكم هذا كيف يصحُّ لكم دعوى الغيبة؟ ثمّ الخضر عليه السلام ليس مكلّفاً بضمان جماعة، والإمام عندكم ضامن مكلّف بالهداية والعدل، والجماعة مكلّفون بالاقتداء به والاستنان بسُنّته، ومن لا يرى كيف يقتدى به؟)، انتهى كلامه.
ولا يخفى تخبّطه وتحريفه في النقل كعادته في كتابه، إذ قول الشيعة عن أئمّتهم عليهم السلام: إن القائم عليه السلام حين يظهر يكون في سنّ الشيوخ وشاب المنظر حتّى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة فلا يصيبه الهرم بمرور الليالي والأيام، وليس ذلك من قدرة الله تعالى ببعيد.
وأما الجواب عن إشكاله الآخر فقد تقدّم، وقد ذكرت في الروايات فوائد وجوده وانتفاع الناس منه في غيبته، منها: أن قلوب المؤمنين مثبتة به فهم بها عاملون، وأنه كالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وأن المعصوم عليه السلام أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، وبه يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبه ينزَّل الغيث، وتنشر الرحمة، وتخرج بركات الأرض، ولولا وجوده على الأرض لساخت بأهلها، ولولاه لم يعبد الله.
وقال الخواجه كلان [(وهو الشيخ سليمان بن الشيخ إبراهيم المعروف بخواجه كلان الحسيني البلخي القندوري المتوفي سنه (١٢٩٤هـ) من علماء أهل السنه)] في كتابه (ينابيع المودة ج٣: ص٢٤٨/ باب٧١/ ح٤٣) عن كتاب (المحجّة فيما نزل في القائم الحجة) في قوله تعالى: ((وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) (الزخرف: ٢٨) : عن ثابت الثمالي، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: (فينا نزلت هذه الآية وجعل الله الإمامة في عقب الحسين إلى يوم القيامة، وأن للقائم منّا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى، فلا يثبت على إمامته إلاّ من قوى يقينه وصحّت معرفته))، انتهى كلامه.
وقد عرفت سابقاً أن الغيبة الصغرى إشارة إلى مدّة النواب الأربعة والكبرى إلى الغيبة التامة وانقطاع النواب والسفراء.
وقال علاء الدين المشهور بالمتقي الهندي [(وهو صاحب كتاب كنز العمال علاء الدين علي بن حسام، نزيل مكه المشرفه، المتوفي سنه(٩٧٥هـ)] في كتاب (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) في الباب الثاني عشر (ص١٧١/ باب١٢/ ح٤) : (عن أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام، قال: (لصاحب هذا الأمر _ يعني المهدي عليه السلام _ غيبتان إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم: مات، وبعضهم: ذهب...) الحديث)، انتهى كلامه.
ومضمون هذه الرواية موجود في الروايات التي وردت بطرقنا، ومن الواضح أن قول البعض المشار إليه في الرواية بأنه عليه السلام مات أو ذهب أو في أيّ وادٍ سلك؟ أو هلك _ كما في الروايات الأخرى _، لا يكون إلاّ بعد انقطاع النائب الخاص والسفير للحجة عليه السلام وشدّة الامتحان بالغيبة التامة.
أقول: هذا غيض من فيض من كلمات علماء الإمامية، وتركنا الأكثر مخافة التطويل والملال، وكلّها على كون انقطاع النيابة الخاصة من معتقدات المذهب وضرورياته.
* * *
قال بعض الحكماء:
إنه لا يستدل على الضروري وإنما ينبّه عليه، فما ظاهره استدلال إنما هو تنبيه، إذ بمجرد التنبه يحصل الالتفات إلى ضرورته، وهكذا ما نحن فيه وهو انقطاع النائب الخاص للإمام الحجة عليه السلام عند الإمامية، فما نسطره من كلمات العلماء الأعلام ووجوه الطائفة الإثني عشرية إنما هو تنبيه على التسالم والضرورة عندهم.
وليعلم أن معنى النائب الخاص هو استنابة الإمام عليه السلام شخصاً بخصوصه في شيء معيّن كما في قول الإمام الحسن العسكري عليه السلام: (العمري (عثمان بن سعيد) وابنه (محمّد) ثقتان فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان) (الكافي ٣٣٠:١/ باب في تسميه من رآه/ ح١) ومعنى النائب العام والمرجع الديني هو استنابة الإمام عليه السلام كل من توفّرت فيه صفات معيّنة في أمر معين كما في قول الصادق عليه السلام: (من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً) (الكافي ٦٧:١/ باب اختلاف الحديث/ ح١٠) ، وهو تنصيب للفقهاء العارفين بالأحكام عن طريق روايات الأئمّة عليهم السلام أن يقضوا بين الناس.
وكذلك قول الحجة المنتظر عليه السلام في رواية الطبرسي في كتابه الاحتجاج: (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم، فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئاً، ولا كرامة) (الأحتجاج ٢٦٣:٢) ، وهو تنصيب للفقهاء العدول كمرجع ديني لبيان الأحكام الشرعية وتعلّم الشيعة ذلك منهم وسيأتي تفصيل ذلك.
ومجمله أن النيابة الخاصة في المقام هي استنابة الإمام عليه السلام شخصاً لإيصال أقواله وأوامره للشيعة وأخذ الحقوق الشرعية كالخمس والزكاة، ولذا أطلق لفظ السفير على النواب الأربعة وهم: عثمان بن سعيد العمري، ومحمّد ابنه، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمّد السمري في الغيبة الصغرى (٢٦٠ _ ٣٢٩هـ)، حيث إن الأربعة كان عملهم كالوسيط بين الإمام عليه السلام والشيعة، ويقرب من هذا المعنى استعمال لفظة السفير في يومنا هذا على ممثلي الدولة في البلدان المختلفة. وذلك يطلق على هذا النحو من النيابة السفارة.
وأما النيابة العامة فهي استنابة الإمام عليه السلام كل من وجدت فيه صفات كما مرَّ لمنصب القضاء والإفتاء ونحو ذلك مما سيأتي بالأخذ والاستنباط من كتاب الله العزيز والروايات المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام، أي لا بالأخذ المباشر منه عليه السلام لوقوع الغيبة الكبرى حتّى يظهر ويخرج بإذن الله تعالى وذلك حين تقع علامات الظهور كالصيحة من السماء والخسف بالبيداء وخروج السفياني وقتل النفس الزكية بمكّة.
ولنذكر كلمات العلماء الذين هم أمناء الأئمّة عليهم السلام على الحلال والحرام والفرائض والسنن:
قال الشيخ أبو القاسم بن محمّد بن قولويه _ صاحب كتاب (كامل الزيارات) أستاذ الشيخ المفيد في الفقه والذي قال النجاشي فيه: كلّما يوصف به الناس من جميل وفقه فهو فوقه _: (إن عندنا _ أي الطائفة الإمامية الشيعية _ أن كل من ادعى الأمر _ أي السفارة والباب _ بعد السمري _ آخر النواب الأربعة في الغيبة الصغرى _ فهو كافر منمّس _ محتال _ ضال مضلّ) (غيبه الطوسي: ٢٥٥) .
قال الشيخ سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي _ الذي قال عنه النجاشي (في رجاله: ١٧٧) : يكنّى أبا القاسم جليل القدر واسع الأخبار شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها _ في كتاب (المقالات والفرق) (ص ١٠٢) :
(فنحن متمسكون بإمامة الحسن بن علي عليه السلام مقرّون بوفاته موقنون مؤمنون بأن له خلفاً من صلبه متديّنون بذلك وأنه الإمام من بعد أبيه الحسن بن علي وأنه في هذه الحالة مستتر خائف مغمور مأمور بذلك حتّى يأذن الله عز وجل له فيظهر ويعلن أمره، كظهور من مضى من آبائه إذ الأمر لله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء ويأمر بما يريد من ظهور وخفاء ونطق وصموت كما أمر رسوله صلى الله عليه وآله في حال نبوّته بترك إظهار أمره والسكوت والإخفاء من أعدائه والاستتار وترك إظهار النبوة التي هي أجلّ وأعظم وأشهر من الإمامة، فلم يزل كذلك سنين إلى أن أمره بإعلان ذلك وعند الوقت الذي قدّره تبارك وتعالى فصارع بأمره وأظهر الدعوة لقومه.
ثمّ بعد الإعلان بالرسالة وإقامة الدلائل المعجزة والبراهين الواضحة اللازمة بها الحجة وبعد... قريش وسائر الخلق من عرب وعجم وما لقي من الشدة ولقيه أصحابه من المؤمنين أمرهم بالهجرة إلى الحبشة، وأقام هو مع قومه حتّى توفّي أبو طالب فخاف على نفسه وبقية أصحابه، فأمره الله عند ذلك بالهجرة إلى المدينة المنورة وأمره بالاختفاء في الغار والاستتار من العدو، فاستتر أياماً خائفاً مطلوباً حتّى أذن الله له وأمره بالخروج.
وكيف بالغريب الوحيد الشريد الطريد المطلوب الموتور بأبيه وجدّه هنا مع القوم المشهور من أمير المؤمنين على المنبر: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة. إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً. لئلاّ تبطل حجج الله وبيناته) (نهج البلاغه ٢٧:٤/ الرقم١٤٧) وبذلك جاءت الأخبار الصحيحة المشهورة عن الأئمّة.
وليس على العباد أن يبحثوا عن أمور الله ويقفوا أثر ما لا علم لهم به ويطلبوا إظهاره فستره الله عليهم وغيّبه عنهم قال الله عز وجل لرسوله: ((وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)) (الإسراء: ٣٦) فليس يجوز لمؤمن ولا مؤمنة طلب ما ستر الله ولا البحث عن اسمه وموضعه ولا السؤال عن أمره ومكانه حتّى يؤمروا بذلك، إذ هو عليه السلام غائب خائف مغمور مستور بستر الله متبع لأمره عز وجل ولأمر آبائه.
بل البحث عن أمره وطلب مكانه والسؤال عن حاله وأمره محرّم لا يحل ولا يسع، لأن في طلب ذلك وإظهاره ما ستره الله عنّا وكشفه وإعلان أمره والتنويه باسمه معصية الله والعون على سفك دمه عليه السلام ودماء شيعته وانتهاك حرمته أعاذ الله من ذلك كل مؤمن ومؤمنة برحمته وفي ستر أمره والسكوت عن ذكره حقنها، وصيانتها سلامة ديننا والانتهاء إلى أمر الله وأمر أئمّتنا وطاعتهم، وفّقنا الله وجميع المؤمنين لطاعته ومرضاته بمنّه ورأفته.
ولا يجوز لنا ولا لأحد من الخلق أن يختار إماماً برأيه ومعقوله واستدلاله، وكيف يجوز هذا وقد حظّره الله جلَّ وتعالى على رسله وأنبيائه وجميع خلقه، فقال في كتابه إذ لم يجعل الاختيار إليهم في شيء من ذلك: ((وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)) (الأحزاب: ٣٦) ، وقال: ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)) (القصص: ٦٨) ، وإنما اختيار الحجج والأئمّة إلى الله عز وجل وإقامتهم إليه فهو يقيمهم ويختارهم ويخفيهم، وإذا شاء يقيمهم فيظهرهم ويعلن أمرهم إذا أراد ويستره إذا شاء فلا يبديه، لأنه تبارك وتعالى أعلم بتدبيره في خلقه وأعرف بمصلحتهم، والإمام أعلم بأمور نفسه وزمانه وحوادث أمور الله منّا... إلى أن قال:
فهذه سبيل الإمامة وهذا المنهاج الواضح والغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإمامية المهتدية رحمة الله عليها، وعلى ذلك كان إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن علي رضوان الله عليه).
وقال أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي المتكلم الفيلسوف من أكابر الطائفة وعظماء سلالة بني النوبخت في كتابه (فرق الشيعة) (ص ١٠٩) : (فنحن مستسلمون بالماضي (العسكري) وإمامته مقرّون بوفاته معترفون بأن له خَلَفاً قائماً من صلبه وأن خَلَفه هو الإمام من بعده حتّى يظهر ويعلن أمره كما ظهر وعلن أمر من مضى قبله من آبائه... إلى أن قال:
وبه جاءت الأخبار الصحيحة عن الأئمّة الماضين، لأنه ليس للعباد أن يبحثوا عن أمور الله ويقفوا بلا علم ويطلبوا آثار ما ستر عنهم...
وقد رويت أخبار كثيرة أن القائم تخفى عن الناس ولادته ويخمل ذكره ولا يعرف... إلى أن قال:
فهذا سبيل الإمامة والمنهاج الواضح اللاحب الذي لم تزل الشيعة الإمامية الصحيحة التشيّع عليه).
وقال الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد) في باب ذكر القائم وتاريخ مولده ودلائل إمامته (الإرشاد ٣٤٠:٢) : (وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده، وبدولته مستفيضاً قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمّة الهدى عليهم السلام والقائم بالحق المنتظر لدولة الإيمان، وله قبل قيامه غيبتان إحداهما أطول من الأخرى، كما جاءت بذلك الأخبار.
فأما القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة.
وأما الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف، قال الله عز وجل: ((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)) (القصص: ٥و٦) ، وقال جلَّ اسمه: ((وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)) (الأنبياء: ١٠٥) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لن تنقضي الأيام والليالي حتّى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) (الإرشاد ٣٤٠:٢، مسند أحمد ٣٧٦:١؛ سنن الترمذي ٣٤٣:٣) ).
وقال قدس سره في الرسائل الخمس التي ألّفها في الغيبة في الرسالة الثانية (رسائل في الغيبه١٣:١) : (فإن قال: إذا كان الإمام عندكم غائباً ومكانه مجهولاً فكيف يصنع المسترشد، وعلى ماذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لا يعرف له حكماً وإلى من يرجع المتنازعون لاسيّما والإمام إنما نصب لما وصفناه؟ قيل له: هذا السؤال مستأنف لا نسبة له بما تقدم ولا صلة بينه وبينه وقد مضى السؤال الأوّل في معنى الخبر وفرض المعرفة.
وجوابه على انتظام ونحن نجيب عن هذا المستأنف بموجز لا يخل بمعنى التمام وبالله التوفيق فنقول: إنما الإمام نصب لأشياء كثيرة، أحدها: الفصل بين المختلفين.
الثاني: بيان الحكم للمسترشدين. ولم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا والدين، غير أنه إنما يجب عليه القيام فيما نصّب له مع التمكن من ذلك والاختيار وليس يجب عليه شيء لا يستطيعه، ولا يلزمه فعل الإيثار مع الاضطرار، ولم يؤت الإمام في التقيّة من قبَل الله عز وجل ولا من جهة نفسه وأوليائه المؤمنين، وإنما أتى ذلك من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه ونفوا نسبه وأنكروا حقّه وحملوا الجمهور على عداوته ومناصبة القائلين بإمامته، وكانت البلية فيما تتضيّع من الأحكام وتتعطّل من الحدود ويفوت من الصلاح متعلقة بالظالمين، وإمام الأنام بريء منها وجميع المؤمنين.
فأما الممتحن بحادث يحتاج إلى علم الحكم فيه فقد وجب عليه أن يرجع ذلك إلى العلماء من شيعة الإمام وليعلم ذلك من جهتهم مما استودعوه من أئمّة الهدى المتقدمين، وإن عدم ذلك والعياذ بالله ولم يكن فيه حكم منصوص على حال فيعلم أنه على حكم العقل، لأنه لو أراد الله أن يتعبّد فيه بحكم سمعي لفعل ذلك ولو فعله لسهل السبيل إليه.
وكذلك القول في المتنازعين يجب عليهم ردّ ما اختلفوا فيه إلى الكتاب والسُنّة عن رسول الله صلى الله عليه وآله من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين ويستغنوا في معرفة ذلك بعلماء الشيعة وفقهائهم، وإن كان _ والعياذ بالله _ لم يوجد فيما اختلفوا فيه نصٌّ على حكم سمعي فليعلم أن ذلك مما كان في العقول مثل أن من غصب إنساناً شيئاً فعليه ردُّه بعينه إن كانت عينه قائمة فإن لم تكن عينه قائمة كان عليه تعويضه بمثله وإن لم يوجد له، مثل: كان له أن يرضي خصمه بما تزول معه ظلامته، فإن لم يستطع ذلك أو لم يفعله مختاراً كان في ذمته إلى يوم القيامة، فإن كان جان جنى على غيره جناية لا يمكن تلافيها كانت في ذمته وكان المجني عليه ممتحناً بالصبر إلى أن ينصفه الله تعالى يوم الحساب، فإن كان الحادث مما لا يعلم بالسمع إباحته من حظره فإنّه على الإباحة إلاّ أن يقوم دليل سمعي على حظره.
وهذا الذي وصفناه إنما جاز للمكلف الاعتماد عليه والرجوع إليه عند الضرورة بفقد الإمام المرشد، ولو كان الإمام حاضراً ما وسعه غير الردّ والعمل على قوله، وهذا قول خصومنا كافة: إن على الناس في نوازلهم بعد النبي صلى الله عليه وآله أن يجتهدوا فيها عند فقدهم النصّ عليها، ولا يجوز لهم الاجتهاد واستعمال الرأي بحضرة النبي صلى الله عليه وآله.
فإن قال: فإذا كانت عبادتكم تتمّ بما وصفتموه مع غيبة الإمام فقد استغنيتم عن الإمام.
قيل له: ليس الأمر كما ظننت في ذلك، لأن الحاجة إلى الشيء وقد تكون قائمة مع فقد ما يسدّها، ولولا ذلك ما كان الفقير محتاجاً إلى المال مع فقده، ولا المريض محتاجاً إلى الدواء وإن بعد وجوده، والجاهل محتاجاً إلى العلم وإنْ عدم الطريق إليه، والمتحير إلى الدليل وإن لم يظفر به.
ولو لزمنا ما ادّعيتموه وتوهّمتموه للزم جميع المسلمين أن يقولوا: إن الناس كانوا في غيبة النبي صلى الله عليه وآله للهجرة وفي الغار مستغنين عنه، وكذلك حالهم في وقت استتاره بشعب أبي طالب عليه السلام، وكان قوم موسى عليه السلام أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه، وكذلك أصحاب يونس عليه السلام أغنياء عنه لما ذهب مغضباً والتقمه الحوت وهو مليم، وهذا مما لا يذهب إليه مسلم ولا ملّي فيُعلم بذلك بطلان ما ظنّه الخصوم وتوهّموه على الظنّة والرجوم وبالله التوفيق).
وقال طيّب الله رمسه في الرسالة الرابعة في الغيبة (رسائل في الغيبه١٣:٤) : (المهدي الذي يظهر الله به الحق، ويبيد بسيفه الضلال، وكان المعلوم أنه لا يقوم بالسيف إلاّ مع وجود الأنصار واجتماع الحفدة والأعوان، ولم يكن أنصاره عليه السلام عند وجوده متهيّئين إلى هذا الوقت موجودين، ولا على نصرته مجتمعين، ولا كان في الأرض من شيعته طراً من يصلح للجهاد وإن كان يصلحون لنقل الآثار وحفظ الأحكام والدعاء له بحصول التمكن من ذلك إلى الله عز وجل لزمته التقية ووجوب فرضها عليه كما فرضت على آبائه عليهم السلام، لأنه لو ظهر بغير أعوان لألقى نفسه بيده إلى التهلكة، ولو أبدى شخصه للأعداء لم يألوا جهداً في إيقاع الضرر به واستئصال شيعته وإراقة دمائهم على الاستحلال، فيكون ذلك أعظم للفساد في الدين والدنيا).
وقال الشيخ الصدوق (هو الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المشتهر بالصدوق، أحد أعلام الإماميه الإثني عشريه في القرن الرابع، ولد بدعاء صاحب الزمان عليه السلام وصدر فيه من ناحيته المقدسه عليه السلام 《فقيه خير مبارك》، وأما والده علي بن بابويه فأشهر من أن يعرف وكان وكيلا للأئمه عليهم السلام في قم) رضوان الله تعالى عليه في كتابه (إكمال الدين وإتمام النعمة) في الباب الثاني والأربعين ما روي في ميلاد القائم عليه السلام (ص ٤٢٤) : بسنده إلى غياث بن أسيد قال: ولد الخلف المهدي عليه السلام يوم الجمعة، واُمّه ريحانة ويقال لها: نرجِس، ويقال لها: صقيل، ويقال: سوسن، إلاّ أنه قيل لسبب الحمل: صقيل، وكان مولده عليه السلام لثمان خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين، ووكيله عثمان بن سعيد، فلمّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري رضوان الله عليهم، قال: فلمّا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه).
وقال رفع الله درجته في أعلى عليين في الكتاب المزبور في الباب الخامس والأربعين في ذكر التوقيعات (ص ٤٨٢) : (حدّثنا أبو محمّد الحسن بن محمّد المكتّب (من مشايخ الصدوق، ترحم عليه في كتابه كمال الدين) ، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفى فيها الشيخ علي بن محمّد السمري _ قدس الله روحه _ فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله عز وجل، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جوراً.
وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم).
قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، ومضى رضي الله عنه، فهذا آخر كلام سمع منه).
وقال عطر الله مرقده في مقدمة كتابه المزبور: (إن الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا: أنّي لما قضيت وطري من زيارة علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه رجعت إلى نيسابور وأقمت بها فوجدت أكثر المختلفين إليَّ من الشيعة قد حيّرتهم الغيبة ودخلت عليهم في أمر القائم عليه السلام الشبهة وعدلوا عن طريق التسليم إلى الآراء والمقاييس، فجعلت أبذل مجهودي في إرشادهم إلى الحق وردّهم إلى الصواب بالأخبار الوارد في ذلك عن النبي والأئمّة صلوات الله عليهم).
وقال الشيخ الطوسي (هو السيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي نسبه إلى طوي من مدن خراسان، شيخ الطائفه الإماميه، صاحب التصانيف في أكثر العلوم والفنون والتي تهد أصلا في بابها، وهو مؤسس الحوزه العلميه في النجف الأشرف، تتلمذ على الشيخ المفيد والسيد الشريف المرتضى، توفي ٤٦٠هـ) في كتاب الغيبة (ص ٣٩٣) : (ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمّد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه وانقطاع الاعلام به وهم الأبواب: أخبرني جماعة عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، (قال): قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، عن الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن خليلان، قال: حدّثني أبي، عن جدّه عتاب _ من ولد عتاب بن أسيد _، (قال): ولد الخلف المهدي صلوات الله عليه يوم الجمعة واُمّه ريحانة، ويقال لها: نرجِس، ويقال: صقيل، ويقال لها: سوسن، إلاّ أنه قيل بسبب الحمل: صقيل.
وكان مولده لثمان خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين ووكليه عثمان بن سعيد أوصى إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان رحمه الله، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري رضي الله عنه، فلمّا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال: (لله أمر هو بالغه)، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه.
(وأخبرني) محمّد بن محمّد بن النعمان (الشيخ المفيد)، والحسين بن عبيد الله (الغضائري) [(الغضائري: جليل القدر، أستاذ الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي، صاحب الرجال. قال الأول فيه: (كثير السماع عارف بالرجال، وله تصانيف)، وقال الثاني فيه: (شيخنا رحمه الله له كتب) ثم ذكر كتبه)] ، عن أبي عبد الله محمّد بن أحمد الصفواني [(الصفواني: قال عنه النجاشي (شيخ الطائفه ثقه فقيه فاضل)، وهو محمد بن أحمد كما في مشيخه التهذيب والإستبصار في كتب الرجال، يروي عنه المفيد والغضائري)] ، قال: أوصى الشيخ أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري رضي الله عنه فقام بما كان إلى أبي القاسم، فلمّا حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه، فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن.
(وأخبرني) جماعة، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، قال: حدّثنا أبو الحسن صالح بن شعيب الطالقاني رحمه الله في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، قال: حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلد، قال: حضرت بغداد عند المشايخ رحمهم الله فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدس سره ابتداء منه: (رحم الله علي بن
الحسين بن بابويه القمي)، قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم، فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم، ومضى أبو الحسن السمري رضي الله عنه بعد ذلك في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة.
(وأخبرنا) جماعة، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، قال: حدّثني أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتّب (تقدم أنه من مشايخ الصدوق وأنه ترحم عليه في كتابه إكمال الدين) ، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدس سره فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم).
(قال): فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: (لله أمر هو بالغه) وقضى، فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه.
(وأخبرني) الحسين بن إبراهيم، عن أبي العبّاس بن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمّد الكاتب، أن قبر أبي الحسن السمري رضي الله عنه في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول قريب من شاطئ نهر أبي عتاب (في يومنا هذا قبره معروف في بغداد، وكذلك بقيه النواب الأربعه) ، وذكر أنه مات رضي الله عنه في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة). انتهى كلام الشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة).
وقال الشيخ الأجل ابن أبي زينت محمّد بن إبراهيم النعماني من أعلام القرن الرابع، والتلميذ الخصّيص بالشيخ الكليني صاحب كتاب (الكافي)، قال في كتابه الغيبة في فصول ما روي في غيبة الإمام المنتظر عليه السلام (ص ١٦١) : (هذه الروايات التي قد جاءت متواترة تشهد بصحة الغيبة وباختفاء العلم والمراد بالعلم الحجة للعالم، وهي مشتملة على أمر الأئمّة عليهم السلام للشيعة بأن يكونوا فيها على ما كانوا عليه ولا يزالون ولا ينتقلون، بل يثبتون ولا يتحولون ويكونون متوقعين لما وعدوا به، وهم معذورون في أن لا يروا حجتهم وإمام زمانهم في أيام الغيبة، وضيق عليهم في كل عصر وزمان قبله أن لا يعرفوه بعينه واسمه ونسبه، ومحظور عليهم الفحص والكشف عن صاحب الغيبة والمطالبة باسمه أو موضعه أو غيابه أو الإشادة بذكره، فضلاً عن المطالبة بمعاينته، وقال لنا: إيّاكم والتنويه، وكونوا على ما أنتم عليه، وإيّاكم والشكّ، فأهل الجهل الذين لا علم لهم بما أتى عن الصادقين عليهما السلام من هذه الروايات الواردة للغيبة وصاحبها يطالبون بالإرشاد إلى شخصه والدلالة على موضعه، ويقترحون إظهاره لهم، وينكرون غيبته، لأنهم بمعزل عن العلم وأهل المعرفة، مسلّمون لما اُمروا به، ممتثلون له، صابرون على ما ندبوا إلى الصبر عليه، وقد أوقفهم العلم والفقه مواقف الرضا عن الله والتصديق لأولياء الله والامتثال والانتهاء عمّا نهوا عنه، حذرون ما حذّر الله في كتابه من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمّة الذين هم في وجوب الطاعة بمنزلته لقوله: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)) (النور: ٦٣) ، ولقوله: ((أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأْمْرِ مِنْكُمْ)) (النساء:٥٩) ، ولقوله: ((وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)) (المائده: ٩٢) .
وفي قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل _ حديث عبد الله بن سنان _: (كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يرى)، دلالة على ما جرى وشهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الإمام عليه السلام وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم وانقطاع نظامهم، لأن السفير بين الإمام في حال غيبته وبين شيعته هو العلم، فلمّا تمّت المحنة على الخلق ارتفعت الأعلام ولا ترى حتّى يظهر صاحب الحق عليه السلام ووقعت الحيرة التي ذكرت وآذننا بها أولياء الله. وصحَّ أمر الغيبة الثانية التي يأتي شرحها وتأويلها فيما يأتي من الأحاديث بعد هذا الفصل، نسأل الله أن يزيدنا بصيرة وهدى ويوفقنا لما يرضيه برحمته).
ثمّ إنه قدس الله لطيفه روى في الفصل اللاحق عدّة أحاديث في أن للقائم عليه السلام غيبتين نذكر نبذة منها: قال بعد ذكر سنده إلى إبراهيم بن عمر اليماني، قال: سمعت أبا جعفر (الباقر) عليه السلام يقول: (إن لصاحب هذا الأمر غيبتين)، وسمعته يقول: (لا يقوم القائم ولأحد في عنقه بيعة).
وروى بسنده إلى أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (الصادق) عليه السلام: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: (لقائم آل محمّد غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى)، فقال: (نعم، ولا يكون ذلك حتّى يختلف سيف بني فلان، وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتد البلاء، ويشمل الناس موت وقتل يلجأون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله).
وروى بسنده إلى المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، يرجع في إحداهما إلى أهله، والأخرى يقال: هلك، في أيّ وادٍ سلك؟)، قلت: كيف نصنع إذا كان ذلك؟ قال: (إن ادّعى مدّع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله).
ثمّ قال الشيخ النعماني (الغيبه: ١٧٨) : هذه الأحاديث التي يذكر فيها أن للقائم عليه السلام غيبتين أحاديث قد صحّت عندنا بحمد الله وأوضح الله قول الأئمّة عليهم السلام وأظهر برهان صدقهم فيها، فأما الغيبة الأولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام عليه السلام وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان يخرج على أيديهم غوامض العلم وعويص الحكم والأجوبة عن كل ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيامها وتصرّمت مدّتها، والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط للأمر الذي يريده الله تعالى والتدبير الذي يمضيه في الخلق، ولوقوع التمحيص والامتحان والبلبلة والغربلة والتصفية على من يدّعي هذا الأمر، كما قال الله تعالى: ((ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)) (آل عمران: ١٧٩) ، وهذا زمان قد حضر جعلنا الله فيه من الثابتين على الحق وممن لا يخرج في غربال الفتنة، فهذا معنى قولنا: (له غيبتان)، ونحن في الأخيرة نسأل الله أن يقرّب فرج أوليائه منها ويجعلنا في حيّز خيره وجملة التابعين لصفوته).
وروى قدس سره في الباب الرابع عشر في العلامات التي تكون قبل قيامه عليه السلام (ص ٢٥٥) بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (لا يقوم القائم حتّى يقوم اثنا عشر رجلاً كلهم يجمع على قول أنهم قد رأوه فيكذّبهم).
وقال الشيخ العلامة زين المحدّثين محمّد بن الفتال النيسابوري (وهو أستاذ صاحب معالم العلماء الحافظ بن محمد بن علي بن شهر آشوب السروي) الشهيد في سنة (٥٠٨هـ) في كتابه (روضة الواعظين: ٢٦٦) : (وروي أنه ولد يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين قبل وفاة أبيه بسنتين وسبعة أشهر والأوّل هو المعتمد (أي سنة خمس وخمسين)، وبابه عثمان بن سعيد، فلمّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري، فلمّا حضرت السمري الوفاة سُئل أن يوصي، فقال: إن الله بالغ أمره، وقد انتظر عليه السلام لدولة الحق).
وقال الشيخ أمين الإسلام (وهو صاحب (مجمع البيان) كتاب التفسير المعروف، وهو من أعلام القرن السادس في علماء الطائفه) أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي قدس سره في كتابه (إعلام الورى بأعلام الهدى) (ج٢ ص٢٥٩) عند ذكره الدلائل على إمامة الإمام الثاني عشر عليه السلام في الباب الثالث، وبعد ذكره لرواية أبي بصير التي تقدم ذكرها وفيها الأخبار بالغيبتين قال: (فانظر كيف قد حصلت الغيبتان لصاحب الأمر على حسب ما تضمّنت الأخبار السابقة لوجوده عن آبائه وجدوده.
أما غيبته الصغرى منهما فهي التي كان فيها سفراؤه موجودين وأبوابه معروفين لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي فيهم، فمنهم [(هؤلاء الجماعه فيهم وكلاء مباشرون وهم السفراء الأربعه والآخرون وكلاء بالواسطه أي بواسطه الأربعه، وهذا الذي ذكره الشيخ الطوسي في كتابه الغيبه (وقد كان في زمان السفراء المحدودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفاره من الأصل) ثم ذكر عده كثيره منهم، ومعناه أن الوكلاء بالواسطه كانوا كثيرين تصلهم التوقيعات عبر النواب الأربعه الذين هم وكلاء بالمباشره)] : أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمّد بن علي بن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمّان (العمري)، وابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان، وعمر الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمّد الوجناني، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمّد بن إبراهيم، في جماعة أخرى ربما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم.
وكانت مدّة هذه الغيبة أربعاً وسبعين سنة، وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري باباً لأبيه وجدّه (أي لأبي الإمام الثاني عشر وجده) من قبل وثقة لهما، ثمّ تولّى الباقية من قبله وظهرت المعجزات على يده ولما مضى لسبيله قام ابنه أبو محمّد مقامه رحمهما الله بنصّه عليه، ومضى على منهاج أبيه في آخر جمادي الآخرة من سنة أربع أو خمس وثلاثمائة وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنصّ أبي جعفر محمّد بن عثمان عليه وأقامه مقام نفسه ومات في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمّد السمري بنصّ أبي القاسم عليه وتوفّى لنصف من شعبان سنة ثمان وعشرون وثلاثمائة).
ثمّ ذكر رواية أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتّب التي سبق ذكرها والتي فيها وقوع الغيبة التامة وانقطاع السفراء وكذب من يدّعي المشاهدة أي السفارة والنيابة حتّى يظهر بعلامات الصيحة وخروج السفياني، ثمّ قال: (ثمّ حصلت الغيبة الطولى التي نحن في أزمانها والفرج يكون في آخرها بمشيئة الله تعالى) (وقد ذكر صاحب كشف الغمه في معرفه الأئمه العلامه المحقق أبي الحسن علي بن عيسى الإربلي قدس سره عين ما ذكره الطوسي بالفاظه) .
وقال رحمه الله في الباب الخامس في حل الشبهات في غيبته عليه السلام (إعلام الورى ٣٠١:٢) : (فإن قالوا: الحق مع غيبة الإمام كيف يدرك؟ فإن قلتم: يدرك ولا يوصل إليه فقد جعلتم الناس في حيرة وضلال مع الغيبة، وإن قلتم: يدرك الحق من جهة الأدلّة المنصوص بها عليه فقد صرّحتم بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلّة، وهذا يخالف مذهبكم.
الجواب: إن الحق على ضربين: عقلي وسمعي، فالعقلي يدرك ولا يؤثر فيه وجود الإمام ولا فقده، والسمعي عليه أدلّة منصوبة من أقوال النبي صلى الله عليه وآله ونصوصه وأقوال الأئمّة الصادقين عليهم السلام قد بيّنوا ذلك وأوضحوه غير أن ذلك وإن كان على ما قلناه فالحاجة إلى الإمام مع ذلك ثابتة، لأن جهة الحاجة مستمرة في كل عصر وعلى كل حال هي كونه لطفاً لنا في الفعل الواجب العقلي من الإنصاف والعدل واجتناب الظلم والبغي، وهذا مما لا يقوم غيره مقامه فيه).
وقال الشيخ أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي وهو من الأعلام في القرن الخامس في كتاب (الاحتجاج، ج٢ ص٢٩٧) : (وأما الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأوّلهم: الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري نصّبه أوّلاً أبو الحسن علي بن محمّد العسكري ثمّ ابنه أبو محمّد الحسن، فتولّى القيام بأمورهما حال حياتهما عليهما السلام، ثمّ بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السلام وكان توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه.
فلمّا مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان مقامه وناب منابه في جميع ذلك، فلمّا مضى هو قام أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت، فلمّا مضى هو قام مقامه أبو الحسن علي بن محمّد السمري.
ولم يقم أحد منهم بذلك إلاّ بنصّ عليه من قِبل صاحب الأمر عليه السلام ونصب صاحبه الذي تقدّم عليه ولم تقبل الشيعة قولهم إلاّ بعد ظهور آية معجزة على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام تدلُّ على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم، فلمّا حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله، قيل له: إلى من توصي؟ فأخرج إليهم توقيعاً نسخته...) ثمّ ذكر التوقيع الذي مرَّ ذكره.
وقال العلامة الحلي قدس سره في كتاب (الرجال ص١٤٨/ الرقم ٥٧) في ترجمة محمّد
بن عثمان العمري: (يكنّى أبا جعفر وأبوه أبا عمرو جميعاً وكيلان من جهة صاحب الزمان عليه السلام ولهما منزلة عظيمة جليلة عند الطائفة... إلى أن قال:
وقال عند موته: اُمرت أن أوصي إلى أبي القاسم بن روح وأوصي إليه، وأوصي أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري، فلمّا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه، والغيبة الثانية هي التي وقعت بعد السمري).
وذكر ابن داود الحلي في كتاب (الرجال، ص١٧٨) عين ذلك بألفاظه في الترجمة المذكورة.
وقال الخواجه نصير الدين الطوسي في كتاب (تجريد الاعتقاد) في المقصد الخامس في الإمامة [(ص٣٦٢/ط جماعه المدرسين، سنه (١٤٠٧هـ)] : (المسألة الأولى في أن نصب الإمام واجب على الله تعالى. و... وانحصار اللطف فيه معلوم للعقلاء ووجوده لطف وتصرفه لطف آخر وعدمه منّا).
وشرح العلامة الحلي قدس سره العبارة بقوله: (لطف الإمامة يتم بأمور منها: ما يجب على الله تعالى وهو خلق الإمام وتمكينه بالتصرف والعلم والنصّ عليه باسمه ونسبه، وهذا قد فعله الله تعالى، ومنها: ما يجب على الإمام وهو تحمله للإمامة وقبوله وهذا قد فعله الإمام، ومنها: ما يجب على الرعية وهو مساعدته والنصرة له وقبول أوامره وامتثال قوله، وهذا لم يفعله الرعية فكان منع اللطف الكامل منهم لا من الله تعالى ولا من الإمام) (شرح التجريد: ٣٦٣/ ط جماعه المدرسين) .
وقال العلامة المجلسي رفع الله درجته في (شرح كتاب الكافي) في ذيل الأحاديث المتعرضة لوقوع الغيبتين قال: (واعلم أنه كان له عليه السلام غيبتان أوّلهما: الصغرى، وهي زمان وفاة أبي محمّد العسكري عليه السلام وهو لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستين ومائتين إلى وقت وفاة رابع السفراء أبي الحسن علي بن محمّد السمري وهو النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة فتكون قريباً من سبعين.
والعجب من الشيخ الطبرسي والسيد ابن طاووس أنهما وافقا في التاريخ الأوّل وقالا في وفاة السمري توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ومع ذلك ذكرا أن مدّة الغيبة الصغرى أربع وسبعون ولعلَّهما عدّا ابتداء الغيبة من ولادته عليه السلام.
وأما سفراؤه عليه السلام فأوّلهم أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري فلمّا توفي رضي الله عنه نصَّ على ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان فقام مقامه وهو الثاني من السفراء وتوفي رضي الله عنه سنة أربع وثلاثمائة، وقيل: خمس وثلاثمائة وكان يتولّى هذا الأمر نحو من خمسين سنة، فلمّا دنت وفاته أقام أبا القاسم الحسين بن روح النوبختي مقامه وتوفى أبو القاسم قدس الله روحه في شعبان سنة ستٍ وعشرين وثلاثمائة، فلمّا دنت وفاته نصَّ على أبي الحسن علي بن محمّد السمري، فلمّا حضرت السمري رضي الله عنه الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه، ومات روّح الله روحه في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، كل ذلك ذكره الشيخ رحمه الله [(ويعني به الشيخ الطوسي قدس سره، وقد سميت تلك السنه بسنه تناثر النجوم تاره، وبسنه تهافتت فيها الكواكب، كما ذكر ذلك الشيخ الطوسي في رجاله في ترجمه الصدوق الأب (علي بن الحسين)، وذكر ذلك النجاشي في رجاله في ترجمته، وسبب التسميه هو كثره من مات فيها من أعلام الطائفه كالنائب الرابع والصدوق الأب والكليني)].
وقال الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد (ج٢ ص٣٤٠) : (وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده وبدولته مستفيضاً قبل غيبته وهو صاحب السيف من أئمّة الهدى عليهم السلام والقائم الحق المنتظر لدولة الإيمان وله قبل قيامه غيبتان إحداهما أطول من الأخرى كما جاءت بذلك الأخبار، فأما القصرى فمنذ وقت ولادته إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة، وأما الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف).
وروى الصدوق في كمال الدين (ص٤٣٢/ باب٤٢/ ح١٢) قال: كان مولده صلوات الله عليه لثمان ليال خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين، ووكيله عثمان بن سعيد رضي الله عنه، فلمّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري رضوان الله عليهم، فلمّا حضرت السمري رضي الله عنه الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه).
وقال السيد عبد الله الشبر [(هو السيد العلامه عبد الله بن السيد محمد رضا صاحب المؤلفات منها جامع الأحكام في الأخبار وهو قرابه (٢٠) مجلدا وغيرها ممايقارب (٧٠) كتابا وهو من أعلام القرن الثالث عشر)] في كتابه (حق اليقين في معرفة أصول الدين) في المقصد الثالث من أحوال الغائب المستتر عليه السلام: (في بعض معجزاته وأحوال سفرائه: قال الطبرسي قدس سره في الاحتجاج: أما الأبواب المرضيون...)، وذكر كل ما تقدم ذكره عن الطبرسي في كتاب الاحتجاج.
ومن وضوح انقطاع السفارة وانقطاع النائب المباشر المتصل بالحجة عليه السلام أخذ علماء العامة بالتشنيع على الشيعة بأنكم تستدلّون على ضرورة وجود المعصوم لهداية الأنام ولتدبير الأمور وإقامة العدل والقسط فكيف تناقضون ذلك بالالتزام بالغيبة والاستتار والانقطاع، ولكن علماء الإمامية لم يتركوا لهذه الأوهام مجالاً وأخذوا بالجواب عنها، وقد تقدّم طرفاً من ذلك في الكلمات التي نقلناها وأن الحرمان من ظهور المعصوم وتصرّفه وتدبيره سببه راجع إلى الرعية والمكلفين من الخذلان وعدم الوقوف إلى جانب الحق والعدل، وأنه حين يكتمل نصاب الأنصار والأعوان يكتب الله تعالى فرجه الشريف.
ومن شاء مراجعة هذه السجالات بين علماء الفريقين فليسرح النظر في ما ألّفه علماء الإمامية من الكتب باسم الغيبة أو التي تبحث عن حياة الحجة عليه السلام، وكل ذلك مما ينبّه على كون انقطاع النائب الخاص والسفير من ضروريات المذهب حتّى عرفه علماء أهل السُنّة ولنذكر بعض كلماتهم، وعلى القارئ مراجعة البقية في مظانّها إن شاء الاطلاع عليها.
قال الشهرستاني [(أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، توفي سنه (٥٤٨ هـ) وهو شافعي الفروع أشعري الأصول)] في كتاب (الملل والنحل) (ج١: ص١٧٢) : (ومن العجب! أنهم قالوا: الغيبة قد امتدّت مائتين ونيفاً وخمسين سنة، وصاحبنا قال: إن خرج القائم وقد طعن في الأربعين فليس بصاحبكم. ولسنا ندري كيف تنقضي مائتان ونيف وخمسون سنة في أربعين سنة، وإذا سُئل القوم عن مدّة الغيبة كيف تتصور؟ قالوا: أليس الخضر وإلياس عليهما السلام يعيشان في الدنيا من آلاف السنين لا يحتاجان إلى طعام وشراب، فلِمَ لا يجوز ذلك في واحد من آل البيت؟ قيل لهم: ومع اختلافكم هذا كيف يصحُّ لكم دعوى الغيبة؟ ثمّ الخضر عليه السلام ليس مكلّفاً بضمان جماعة، والإمام عندكم ضامن مكلّف بالهداية والعدل، والجماعة مكلّفون بالاقتداء به والاستنان بسُنّته، ومن لا يرى كيف يقتدى به؟)، انتهى كلامه.
ولا يخفى تخبّطه وتحريفه في النقل كعادته في كتابه، إذ قول الشيعة عن أئمّتهم عليهم السلام: إن القائم عليه السلام حين يظهر يكون في سنّ الشيوخ وشاب المنظر حتّى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة فلا يصيبه الهرم بمرور الليالي والأيام، وليس ذلك من قدرة الله تعالى ببعيد.
وأما الجواب عن إشكاله الآخر فقد تقدّم، وقد ذكرت في الروايات فوائد وجوده وانتفاع الناس منه في غيبته، منها: أن قلوب المؤمنين مثبتة به فهم بها عاملون، وأنه كالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وأن المعصوم عليه السلام أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، وبه يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبه ينزَّل الغيث، وتنشر الرحمة، وتخرج بركات الأرض، ولولا وجوده على الأرض لساخت بأهلها، ولولاه لم يعبد الله.
وقال الخواجه كلان [(وهو الشيخ سليمان بن الشيخ إبراهيم المعروف بخواجه كلان الحسيني البلخي القندوري المتوفي سنه (١٢٩٤هـ) من علماء أهل السنه)] في كتابه (ينابيع المودة ج٣: ص٢٤٨/ باب٧١/ ح٤٣) عن كتاب (المحجّة فيما نزل في القائم الحجة) في قوله تعالى: ((وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) (الزخرف: ٢٨) : عن ثابت الثمالي، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: (فينا نزلت هذه الآية وجعل الله الإمامة في عقب الحسين إلى يوم القيامة، وأن للقائم منّا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى، فلا يثبت على إمامته إلاّ من قوى يقينه وصحّت معرفته))، انتهى كلامه.
وقد عرفت سابقاً أن الغيبة الصغرى إشارة إلى مدّة النواب الأربعة والكبرى إلى الغيبة التامة وانقطاع النواب والسفراء.
وقال علاء الدين المشهور بالمتقي الهندي [(وهو صاحب كتاب كنز العمال علاء الدين علي بن حسام، نزيل مكه المشرفه، المتوفي سنه(٩٧٥هـ)] في كتاب (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) في الباب الثاني عشر (ص١٧١/ باب١٢/ ح٤) : (عن أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام، قال: (لصاحب هذا الأمر _ يعني المهدي عليه السلام _ غيبتان إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم: مات، وبعضهم: ذهب...) الحديث)، انتهى كلامه.
ومضمون هذه الرواية موجود في الروايات التي وردت بطرقنا، ومن الواضح أن قول البعض المشار إليه في الرواية بأنه عليه السلام مات أو ذهب أو في أيّ وادٍ سلك؟ أو هلك _ كما في الروايات الأخرى _، لا يكون إلاّ بعد انقطاع النائب الخاص والسفير للحجة عليه السلام وشدّة الامتحان بالغيبة التامة.
أقول: هذا غيض من فيض من كلمات علماء الإمامية، وتركنا الأكثر مخافة التطويل والملال، وكلّها على كون انقطاع النيابة الخاصة من معتقدات المذهب وضرورياته.
* * *

تعليقات
إرسال تعليق
أضف تعليقاً