في كون انقطاع النائب الخاص للإمام عليه السلام عقيدة من ضروريات مذهب الإمامية الإثني عشرية
الأمر الثامن: ثواب الثبات والتمسّك بالدين في الغيبة الكبرى وشدّة المحنة
روى الصدوق بسنده عن الجواد عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (للقائم منّا غيبة أمدها طويل، كأنّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة)، ثمّ قال عليه السلام: (إن القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه) (كمال الدين: ٣٠٣/باب ٢٦/ ح١٤) .
وروي عن الأصبغ بن نباتة قال: ذكر عند أمير المؤمنين عليه السلام القائم عليه السلام، فقال: (أما ليغيبنَّ حتّى يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد حاجة)، وفي حديث آخر: (بعد غيبة وحيرة، فلا يثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله عز وجل ميثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه) (كمال الدين: ٣٠٣و٣٠٤/باب ٢٦/ ح ١٥و١٦) .
وروى توقيعاً من صاحب الزمان عليه السلام كان خرج إلى العمري (النائب الأوّل) وابنه (النائب الثاني في الغيبة الصغرى) رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله، قال الشيخ أبو عبد الله جعفر رضي الله عنه: وجدته مثبتاً عنه رحمه الله: (وفّقكما الله لطاعته، وثبّتكما على دينه، وأسعدكما بمرضاته، انتهى إلينا
ما ذكرتما أن الميثمي أخبركما عن المختار ومناظراته من لقي واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي (أي لا خلف في الإمامه بعد العسكري غير جعفر الذي كان يدعي بالكذب) وتصديقه إيّاه، وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه، وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء ومن الضلالة بعد الهدى ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن، فإنه عز وجل يقول: ((الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)) (العنكبوت:١و٢) .
كيف يتساقطون في الفتنة، ويترددون في الحيرة، ويأخذون يميناً وشمالاً، فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة، أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهراً وإما مغموراً.
أوَلم يعلموا انتظام أئمّتهم بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واحداً بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله عز وجل إلى الماضي _ يعني الحسن بن علي عليهما السلام _ فقام مقام آبائه عليهم السلام يهدي إلى الحق والى طريق مستقيم، كانوا نوراً ساطعاً، وشهاباً لامعاً، وقمراً زاهراً، ثمّ اختار عز وجل له ما عنده فمضى على منهاج آبائه عليهم السلام حذو النعل بالنعل على عهد عهده ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله عز وجل بأمره إلى غاية، وأخفى مكانه بمشيئة للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله، ولو قد أذن الله عز وجل فيما قد منعه عنه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية وأبين دلالة وأوضح علامة، ولأبان عن نفسه وقام بحجّته.
ولكن أقدار الله عز وجل لا تغالب، وإرادته لا ترد، وتوفيقه لا يسبق، فليدعوا عنهم اتّباع الهوى، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه، ولا يبحثوا عمّا ستر عنهم فيأثموا ولا يكشفوا ستر الله عز وجل فيندموا، وليعلموا أن الحق معنا وفينا ولا يقول ذلك سوانا إلاّ كذّاب مفتر، ولا يدّعيه غيرنا إلاّ ضال غوي، فليقتصروا منّا على هذه الجملة دون التفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله) (كمال الدين: ٥١٠/باب ٤٥/ ح٤٢) .
وروى بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم عليه السلام) (كمال الدين: ٦٤٤/باب ٥٥/ ح١) .
وروي عن عبد الحميد الواسطي أنه سأل الباقر عليه السلام قال: قلت: فإن متُّ قبل أن أدرك القائم؟ قال: (القائل منكم: أن لو أدركت قائم آل محمّد نصرته كان كالمقارع بين يديه بسيفه، لا بل كالشهيد معه) (كمال الدين: ٦٤٤/باب ٥٥/ ح٢) .
وروى عن أبي الحسن عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله عز وجل) (كمال الدين: ٦٤٤/باب ٥٥/ ح٣) .
وروى عن الصادق عليه السلام: (ما أحسن الصبر وانتظار الفرج أما سمعت قول الله عز وجل: ((وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)) (هود: ٩٣) ، ((فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)) (الأعراف: ٧١) ، فعليكم بالصبر، فإنه إنما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم) (كمال الدين: ٦٤٥/باب ٥٥/ ح٥) .
وقال عليه السلام: (المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله) (كمال الدين: ٦٤٥/باب ٥٥/ ح٦) .
وروى بسنده عن عمّار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: العبادة مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل أفضل أم العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟ فقال: (يا عمّار، الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك عبادتكم في السر في دولة الباطل أفضل؟ لخوفكم من عدّوكم في دولة الباطل، وحال الهدنة ممن يعبد الله عز وجل في ظهور الحق مع الإمام الظاهر في دولة الحق، وليس العبادة مع الخوف وفي دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق.
اعلموا أن من صلّى منكم صلاة فريضة وحداناً مستتراً بها من عدّوه في وقتها فأتمّها كتب الله عز وجل له بها خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمّها كتب الله عز وجل له عشرين حسنة ويضاعف الله حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ودان الله عز وجل على دينه وعلى إمامه وعلى نفسه وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة كثيرة إن الله عز وجل كريم).
قال: فقلت: جُعلت فداك، قد رغبتني في العمل وحثثتني عليه، ولكن اُحبُّ أن أعلم كيف صرنا اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام منكم الظاهر في دولة الحق ونحن وهم على دين واحد وهو دين الله عز وجل؟
فقال: (إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله عز وجل وإلى الصلاة والصوم والحج وإلى كل فقه وخير وإلى عبادة الله سراً مع عدّوكم مع الإمام المستتر مطيعون له صابرون معه منتظرون لدولة الحق خائفون على إمامكم وأنفسكم من الملوك، تنظرون إلى حق إمامكم وحقكم في أيدي الظلمة قد منعوكم ذلك واضطروكم إلى حرث الدنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوّكم، فبذلك ضاعف الله أعمالكم، فهنيئاً لكم هنيئاً).
قال: فقلت له: جُعلت فداك، فما نتمنى إذاً أن نكون من أصحاب الإمام القائم في ظهور الحق ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أعمال أصحاب دولة الحق؟
فقال: (سبحان الله! أما تحبون أن يظهر الله عز وجل الحق والعدل في البلاد، ويحسن حال عامة العباد ويجمع الله الكلمة ويؤلّف بين قلوب مختلفة، ولا يعصى الله عز وجل في أرضه، ويقام حدود الله في خلقه، ويرد الله الحق إلى أهله فيظهروه حتّى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمّار لا يموت منكم ميّت على الحال التي أنتم عليها إلاّ كان أفضل عند الله عز وجل من كثير ممن شهد بدراً وأحداً فأبشروا) (كمال الدين: ٦٤٦/باب ٥٥/ ح٧) .
وروى عن الصادق عليه السلام: (المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله يذب عنه، هو (الإمام الثاني عشر)... هو المفرج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد وبلاء طويل وجور، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان) (كمال الدين: ٦٤٧/باب ٥٥/ ح٥) .
وروى الكليني بسنده عن يمان التمّار قال: كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام جلوساً فقال لنا: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد _ ثمّ قال هكذا بيده (أي أشار بيده، والخارط من يضرب بيده على الغصن ثم يمدها إلى الأسفل ليسقط الورق، والقتاد شجر له شوك) _ فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده؟)، ثمّ أطرق ملياً، ثمّ قال: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق الله عبد وليمسك بدينه) (الكافي ٣٣٥:١/ باب في الغيبه/ ح١) .
وروى عن الكاظم عليه السلام أنه قال: (إذا فُقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد، يا بني إنه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه، لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحُّ من هذا لاتّبعوه) (الكافي ٣٣٦:١/ باب في الغيبه/ ح٢) .
أقول: المقصود من ذيل الرواية ليس التقليد للآباء والأجداد، بل هو التنبيه إلى أن من الآباء والأجداد من كان همّه وسعيه في البحث عن الحق والدين الصحيح، واختيار مثلهم لهذا الدين يكون مؤشراً لصحة هذا الدين، وليس ذلك دعوة للتقليد كما قد يتوهم.
وروى أن سائلاً سأل الصادق عليه السلام قال: قلت: إذا أصبحت وأمسيت لا أرى إماماً ائتمُّ به ما أصنع؟ قال: (فأحبّ من كنت تحبّ، وابغض من كنت تبغض حتّى يظهره الله عز وجل) (الكافي ٣٤٢:١/ باب في الغيبه/ ح٢٨) .
وروى النعماني في كتاب (الغيبة) عن الصادق عليه السلام أنه قال: (أقرب ما يكون العباد من الله عز وجل وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة الله جلَّ وعزَّ ولم يظهر لهم ولم يعلموا بمكانه وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة الله جلَّ ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقعوا الفرج صباحاً ومساءً فإن أشدّ ما يكون غضب الله عز وجل على أعدائه إذا افتقدوا حجة الله فلم يظهر لهم، وقد علم الله أن أولياءه (أي الذين كتب لهم الإيمان في قلوبهم وأخذ عليهم ميثاق الولايه للأئمه عليهم السلام في غابر علم الله تعالى) لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما غيّب حجّته عنهم طرفة عين، ولا يكون ذلك إلاّ على رأس شرار الناس) (الغيبه: ١٦٢/ باب ١٠/ ح٢) .
وروى عن أبي جعفر (الباقر) عليه السلام أنه قال: (لتمحّصنَّ يا شيعة آل محمّد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها) (الغيبه: ٢١٤/ باب ١٢/ ح١٢) .
وروى عن الصادق عليه السلام أنه قال: (والله لتكسّرنَّ تكسّر الزجاج وإن الزجاج ليعاد فيعود كما كان، والله لتكسرنَّ تكسّر الفخار، وإن الفخار ليتكسّر فلا يعود كما كان، ووالله لتغربلنَّ ووالله لتمحّصنَّ حتّى لا يبقى منكم إلاّ الأقل) وصعر كفه (صعر كفه: أي أمالها تهاونا بالناس، أي الذين جناح البعوضه أرجح من ألتزامهم بالدين) .
ثمّ قال النعماني: فتبيّنوا يا معشر الشيعة هذه الأحاديث المروية عن أمير المؤمنين ومن بعده من الأئمّة عليهم السلام واحذروا ما حذّروكم وتأمّلوا ما جاء عنهم تأمّلاً شافياً، وفكّروا فيها فكراً تنعمونه، فلم يكن في التحذير شيء أبلغ من قولهم: (إن الرجل يصبح على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها)، أليس هذا دليلاً على الخروج من نظام الإمامة وترك ما كان يعتقد منها على غير طريق.
وفي قوله: (لتكسّرنَّ تكسّر الزجاج...) الخ، فضرب ذلك مثلاً لمن يكون على مذهب الإمامية فيعدل عنه إلى غيره بالفتنة التي تعرض له ثمّ تلحقه السعادة بنظرة من الله فتبيّن له ظلمة ما دخل فيه وصفاء ما خرج منه فيبادر قبل موته بالتوبة والرجوع إلى الحق فيتوب الله عليه ويعيده إلى حاله في الهدى كالزجاج الذي يعاد بعد تكسّره فيعود كما كان، ولمن يكون على هذا الأمر فيخرج عنه ويتمّ على الشقاء بأن يدركه الموت وهو على ما هو عليه غير تائب منه ولا عائد إلى الحق، فيكون مثله كمثل الفخار الذي يكسّر فلا يعاد إلى حاله، لأنه لا توبة له بعد الموت ولا في ساعته، نسأل الله الثبات على ما منَّ به علينا، وأن يزيد في إحسانه، فإنما نحن له ومنه) (الغيبه: ٢١٥/ باب ١٢/ ح١٣) انتهى.
وروى عن الكاظم عليه السلام أنه قال: (ما يكون ذلك (أي ظهور الحجة عليه السلام) حتّى تميّزوا وتمحّصوا، وحتّى لا يبقى منكم إلاّ الأقل)، ثمّ صعر كفه (الغيبه: ٢١٦/ باب ١٢/ ح١٤) .
وعن الرضا عليه السلام: (والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تمحّصوا وتميّزوا، وحتّى لا يبقى منكم إلاّ الأندر فالأندر) (الغيبه: ٢١٦/ باب ١٢/ ح١٥) ، وفي رواية: (حتّى يشقى من شقي ويسعد من سعد) (الغيبه: ٢١٦/ باب ١٢/ ح١٦) .
هذا والروايات في هذا المجال كثيرة جدّاً تطلب من مظانها.
* * *
روى الصدوق بسنده عن الجواد عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (للقائم منّا غيبة أمدها طويل، كأنّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة)، ثمّ قال عليه السلام: (إن القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه) (كمال الدين: ٣٠٣/باب ٢٦/ ح١٤) .
وروي عن الأصبغ بن نباتة قال: ذكر عند أمير المؤمنين عليه السلام القائم عليه السلام، فقال: (أما ليغيبنَّ حتّى يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد حاجة)، وفي حديث آخر: (بعد غيبة وحيرة، فلا يثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله عز وجل ميثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه) (كمال الدين: ٣٠٣و٣٠٤/باب ٢٦/ ح ١٥و١٦) .
وروى توقيعاً من صاحب الزمان عليه السلام كان خرج إلى العمري (النائب الأوّل) وابنه (النائب الثاني في الغيبة الصغرى) رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله، قال الشيخ أبو عبد الله جعفر رضي الله عنه: وجدته مثبتاً عنه رحمه الله: (وفّقكما الله لطاعته، وثبّتكما على دينه، وأسعدكما بمرضاته، انتهى إلينا
ما ذكرتما أن الميثمي أخبركما عن المختار ومناظراته من لقي واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي (أي لا خلف في الإمامه بعد العسكري غير جعفر الذي كان يدعي بالكذب) وتصديقه إيّاه، وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه، وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء ومن الضلالة بعد الهدى ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن، فإنه عز وجل يقول: ((الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)) (العنكبوت:١و٢) .
كيف يتساقطون في الفتنة، ويترددون في الحيرة، ويأخذون يميناً وشمالاً، فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة، أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهراً وإما مغموراً.
أوَلم يعلموا انتظام أئمّتهم بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واحداً بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله عز وجل إلى الماضي _ يعني الحسن بن علي عليهما السلام _ فقام مقام آبائه عليهم السلام يهدي إلى الحق والى طريق مستقيم، كانوا نوراً ساطعاً، وشهاباً لامعاً، وقمراً زاهراً، ثمّ اختار عز وجل له ما عنده فمضى على منهاج آبائه عليهم السلام حذو النعل بالنعل على عهد عهده ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله عز وجل بأمره إلى غاية، وأخفى مكانه بمشيئة للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله، ولو قد أذن الله عز وجل فيما قد منعه عنه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية وأبين دلالة وأوضح علامة، ولأبان عن نفسه وقام بحجّته.
ولكن أقدار الله عز وجل لا تغالب، وإرادته لا ترد، وتوفيقه لا يسبق، فليدعوا عنهم اتّباع الهوى، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه، ولا يبحثوا عمّا ستر عنهم فيأثموا ولا يكشفوا ستر الله عز وجل فيندموا، وليعلموا أن الحق معنا وفينا ولا يقول ذلك سوانا إلاّ كذّاب مفتر، ولا يدّعيه غيرنا إلاّ ضال غوي، فليقتصروا منّا على هذه الجملة دون التفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله) (كمال الدين: ٥١٠/باب ٤٥/ ح٤٢) .
وروى بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم عليه السلام) (كمال الدين: ٦٤٤/باب ٥٥/ ح١) .
وروي عن عبد الحميد الواسطي أنه سأل الباقر عليه السلام قال: قلت: فإن متُّ قبل أن أدرك القائم؟ قال: (القائل منكم: أن لو أدركت قائم آل محمّد نصرته كان كالمقارع بين يديه بسيفه، لا بل كالشهيد معه) (كمال الدين: ٦٤٤/باب ٥٥/ ح٢) .
وروى عن أبي الحسن عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله عز وجل) (كمال الدين: ٦٤٤/باب ٥٥/ ح٣) .
وروى عن الصادق عليه السلام: (ما أحسن الصبر وانتظار الفرج أما سمعت قول الله عز وجل: ((وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)) (هود: ٩٣) ، ((فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)) (الأعراف: ٧١) ، فعليكم بالصبر، فإنه إنما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم) (كمال الدين: ٦٤٥/باب ٥٥/ ح٥) .
وقال عليه السلام: (المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله) (كمال الدين: ٦٤٥/باب ٥٥/ ح٦) .
وروى بسنده عن عمّار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: العبادة مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل أفضل أم العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟ فقال: (يا عمّار، الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك عبادتكم في السر في دولة الباطل أفضل؟ لخوفكم من عدّوكم في دولة الباطل، وحال الهدنة ممن يعبد الله عز وجل في ظهور الحق مع الإمام الظاهر في دولة الحق، وليس العبادة مع الخوف وفي دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق.
اعلموا أن من صلّى منكم صلاة فريضة وحداناً مستتراً بها من عدّوه في وقتها فأتمّها كتب الله عز وجل له بها خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمّها كتب الله عز وجل له عشرين حسنة ويضاعف الله حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ودان الله عز وجل على دينه وعلى إمامه وعلى نفسه وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة كثيرة إن الله عز وجل كريم).
قال: فقلت: جُعلت فداك، قد رغبتني في العمل وحثثتني عليه، ولكن اُحبُّ أن أعلم كيف صرنا اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام منكم الظاهر في دولة الحق ونحن وهم على دين واحد وهو دين الله عز وجل؟
فقال: (إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله عز وجل وإلى الصلاة والصوم والحج وإلى كل فقه وخير وإلى عبادة الله سراً مع عدّوكم مع الإمام المستتر مطيعون له صابرون معه منتظرون لدولة الحق خائفون على إمامكم وأنفسكم من الملوك، تنظرون إلى حق إمامكم وحقكم في أيدي الظلمة قد منعوكم ذلك واضطروكم إلى حرث الدنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوّكم، فبذلك ضاعف الله أعمالكم، فهنيئاً لكم هنيئاً).
قال: فقلت له: جُعلت فداك، فما نتمنى إذاً أن نكون من أصحاب الإمام القائم في ظهور الحق ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أعمال أصحاب دولة الحق؟
فقال: (سبحان الله! أما تحبون أن يظهر الله عز وجل الحق والعدل في البلاد، ويحسن حال عامة العباد ويجمع الله الكلمة ويؤلّف بين قلوب مختلفة، ولا يعصى الله عز وجل في أرضه، ويقام حدود الله في خلقه، ويرد الله الحق إلى أهله فيظهروه حتّى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمّار لا يموت منكم ميّت على الحال التي أنتم عليها إلاّ كان أفضل عند الله عز وجل من كثير ممن شهد بدراً وأحداً فأبشروا) (كمال الدين: ٦٤٦/باب ٥٥/ ح٧) .
وروى عن الصادق عليه السلام: (المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله يذب عنه، هو (الإمام الثاني عشر)... هو المفرج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد وبلاء طويل وجور، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان) (كمال الدين: ٦٤٧/باب ٥٥/ ح٥) .
وروى الكليني بسنده عن يمان التمّار قال: كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام جلوساً فقال لنا: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد _ ثمّ قال هكذا بيده (أي أشار بيده، والخارط من يضرب بيده على الغصن ثم يمدها إلى الأسفل ليسقط الورق، والقتاد شجر له شوك) _ فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده؟)، ثمّ أطرق ملياً، ثمّ قال: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق الله عبد وليمسك بدينه) (الكافي ٣٣٥:١/ باب في الغيبه/ ح١) .
وروى عن الكاظم عليه السلام أنه قال: (إذا فُقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد، يا بني إنه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه، لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحُّ من هذا لاتّبعوه) (الكافي ٣٣٦:١/ باب في الغيبه/ ح٢) .
أقول: المقصود من ذيل الرواية ليس التقليد للآباء والأجداد، بل هو التنبيه إلى أن من الآباء والأجداد من كان همّه وسعيه في البحث عن الحق والدين الصحيح، واختيار مثلهم لهذا الدين يكون مؤشراً لصحة هذا الدين، وليس ذلك دعوة للتقليد كما قد يتوهم.
وروى أن سائلاً سأل الصادق عليه السلام قال: قلت: إذا أصبحت وأمسيت لا أرى إماماً ائتمُّ به ما أصنع؟ قال: (فأحبّ من كنت تحبّ، وابغض من كنت تبغض حتّى يظهره الله عز وجل) (الكافي ٣٤٢:١/ باب في الغيبه/ ح٢٨) .
وروى النعماني في كتاب (الغيبة) عن الصادق عليه السلام أنه قال: (أقرب ما يكون العباد من الله عز وجل وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة الله جلَّ وعزَّ ولم يظهر لهم ولم يعلموا بمكانه وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة الله جلَّ ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقعوا الفرج صباحاً ومساءً فإن أشدّ ما يكون غضب الله عز وجل على أعدائه إذا افتقدوا حجة الله فلم يظهر لهم، وقد علم الله أن أولياءه (أي الذين كتب لهم الإيمان في قلوبهم وأخذ عليهم ميثاق الولايه للأئمه عليهم السلام في غابر علم الله تعالى) لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما غيّب حجّته عنهم طرفة عين، ولا يكون ذلك إلاّ على رأس شرار الناس) (الغيبه: ١٦٢/ باب ١٠/ ح٢) .
وروى عن أبي جعفر (الباقر) عليه السلام أنه قال: (لتمحّصنَّ يا شيعة آل محمّد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها) (الغيبه: ٢١٤/ باب ١٢/ ح١٢) .
وروى عن الصادق عليه السلام أنه قال: (والله لتكسّرنَّ تكسّر الزجاج وإن الزجاج ليعاد فيعود كما كان، والله لتكسرنَّ تكسّر الفخار، وإن الفخار ليتكسّر فلا يعود كما كان، ووالله لتغربلنَّ ووالله لتمحّصنَّ حتّى لا يبقى منكم إلاّ الأقل) وصعر كفه (صعر كفه: أي أمالها تهاونا بالناس، أي الذين جناح البعوضه أرجح من ألتزامهم بالدين) .
ثمّ قال النعماني: فتبيّنوا يا معشر الشيعة هذه الأحاديث المروية عن أمير المؤمنين ومن بعده من الأئمّة عليهم السلام واحذروا ما حذّروكم وتأمّلوا ما جاء عنهم تأمّلاً شافياً، وفكّروا فيها فكراً تنعمونه، فلم يكن في التحذير شيء أبلغ من قولهم: (إن الرجل يصبح على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها)، أليس هذا دليلاً على الخروج من نظام الإمامة وترك ما كان يعتقد منها على غير طريق.
وفي قوله: (لتكسّرنَّ تكسّر الزجاج...) الخ، فضرب ذلك مثلاً لمن يكون على مذهب الإمامية فيعدل عنه إلى غيره بالفتنة التي تعرض له ثمّ تلحقه السعادة بنظرة من الله فتبيّن له ظلمة ما دخل فيه وصفاء ما خرج منه فيبادر قبل موته بالتوبة والرجوع إلى الحق فيتوب الله عليه ويعيده إلى حاله في الهدى كالزجاج الذي يعاد بعد تكسّره فيعود كما كان، ولمن يكون على هذا الأمر فيخرج عنه ويتمّ على الشقاء بأن يدركه الموت وهو على ما هو عليه غير تائب منه ولا عائد إلى الحق، فيكون مثله كمثل الفخار الذي يكسّر فلا يعاد إلى حاله، لأنه لا توبة له بعد الموت ولا في ساعته، نسأل الله الثبات على ما منَّ به علينا، وأن يزيد في إحسانه، فإنما نحن له ومنه) (الغيبه: ٢١٥/ باب ١٢/ ح١٣) انتهى.
وروى عن الكاظم عليه السلام أنه قال: (ما يكون ذلك (أي ظهور الحجة عليه السلام) حتّى تميّزوا وتمحّصوا، وحتّى لا يبقى منكم إلاّ الأقل)، ثمّ صعر كفه (الغيبه: ٢١٦/ باب ١٢/ ح١٤) .
وعن الرضا عليه السلام: (والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تمحّصوا وتميّزوا، وحتّى لا يبقى منكم إلاّ الأندر فالأندر) (الغيبه: ٢١٦/ باب ١٢/ ح١٥) ، وفي رواية: (حتّى يشقى من شقي ويسعد من سعد) (الغيبه: ٢١٦/ باب ١٢/ ح١٦) .
هذا والروايات في هذا المجال كثيرة جدّاً تطلب من مظانها.
* * *
تعليقات
إرسال تعليق
أضف تعليقاً