ندبه بحق صاحب الزمان

ندبه بحق صاحب الزمان
ندبة أنشأها السيد السند الصالح الصفي إمام شعراء العراق، بل سيد الشعراء في الندب والمراثي على الاطلاق، السيد حيدر ابن السيد سليمان الحلي، المؤيد من عند الملك العلي، وقد جمع أيده الله تعالى بين فصاحة اللسان، وبلاغة البيان، وشدة التقوى، وقوة الإيمان، بحيث لو رآه أحد لا يتوهم في حقه القدرة على النظم، فكيف بأعلى مراتبه، أنشأها بأمر سيد الفقهاء السيد المهدي القزويني النزيل في الحلة في السنة التي صار عمر پاشا واليا على أهل العراق، وشدد عليهم، وأمر بتحرير النفوس لاجراء القرعة، وأخذ العسكر من أهل القرى والأمصار سواء الشريف فيه والوضيع والعالم فيه والجاهل، والعلوي فيه وغيره، والغني فيه والفقير، فاشتد عليهم الأمر وعظم البلاء، وضاقت الأرض، ومنعت السماء، فأنشأ السيد هذه الندبة المشجية، فرأى واحد من الصلحاء المجاورين في النجف الأشرف الحجة المنتظر عليه السلام فقال له ما معناه: قد أقلقني السيد حيدر قل له: لا يؤذيني فان الأمر ليس بيدي ورفع الله عنهم القرعة في أيامه وبعده بسنين، وهي هذه:
يا غمرة من لنا بمعبرها* موارد الموت دون مصدرها
يطفح موج البلا الخطير بها* فيغرق العقل في تصورها
وشدة عندها انتهت عظما* شدائد الدهر مع تكثرها
ضاقت ولم يأتها مفرجها* فجاشت النفس من تحيرها
الآن رجس الضلالة استغرق* الأرض فضجت إلى مطهرها
وملة الله غيرت فغدت* تصرخ لله من مغيرها
من مخبري والنفوس عاتبة* ماذا يؤدي لسان مخبرها
لم صاحب الأمر عن رعيته* أغضى فغضت بجور أكفرها
ما عذره نصب عينه أخذت* شيعته وهو بين أظهرها
يا غيرة الله لا قرار على* ركوب فحشائها ومنكرها
سيفك والضرب إن شيعتكم* قد بلغ السيف حز منحرها
مات الهدى سيدي فقم وأمت* شمس ضحاها بليل عيثرها (العيثر -هكذا العثير- التراب والعجاج، وما قلبت من التراب بأطراف سابع رجلك إذا مشيت لا يرى للقدم أثر غيره. وقد عيثر القوم: إذا أثاروا العيثر)
واترك منايا العدى بأنفسهم* تكثر في الروع من تعثرها
لم يشف من هذه الصدور سوى* كسرك صدر القنا بموغرها (أوغر صدره: أحماه من الغيظ وأوقده)
وهذه الصحف محو سيفك للأ* عمار منهم أمحى لأسطرها (أمحى -بتشديد الميم- أصله: انمحى فأدغم النون في الميم)
فالنطف اليوم تشتكي وهي في* رحام منها إلى مصورها
فالله يا ابن النبي في فئة* ما ذخرت غيركم لمحشرها
ماذا لأعدائها تقول إذا* لم تنجها اليوم من مدمرها
أشقة البعد دونك اعترضت* أم حجبت منك عين مبصرها
فهاك قلب قلوبنا ترها* تفطرت فيك من تنضرها
كم سهرت أعين وليس سوى* انتظارها غوثكم بمسهرها
أين الحفيظ العليم للفئة* المضاعة الحق عند أفخرها
تغضي وأنت الأب الرحيم لها* ما هكذا الظن في ابن أطهرها
إن لم تغثها لجرم أكبرها* فارحم لها ضعف جرم أصغرها
كيف رقاب من الجحيم بكم* حررها الله في تبصرها
ترضى بأن تسترقها عصب* لم تله عن نأيها ومزهرها
إن ترض يا صاحب الزمان بها* ودام للقوم فعل منكرها
ماتت شعار الإيمان واندفنت* ما بين خمر العدى وميسرها
أبعد بها خطة تزاد لها* لا قرب الله دار مؤثرها
الموت خير من الحياة بها* لو تملك النفس من تخيرها
ما غر أعداءنا بربهم* وهو مليئ بقصم أظهرها
مهلا فلله من بريته* عوائد جل قدر أيسرها
فدعوة الناس إن تكن حجبت* لأنها ساء فعل أكثرها
فرب جرى حشى لواحدها! * شكت إلى الله في تصورها
توشك أنفاسها وقد صعدت* أن تحرق القوم في تسعرها
                   *    *    *

وله أيده الله تعالى ندبة أخرى تجري في هذا المجرى، تورث في العين قذى، وفي القلب شجى:
أقائم بيت الهدى الطاهر* كم الصبر فتّ حشى الصابر
وكم يتظلم دين الا* له إليك من النفر الجائر
يمد يدا تشتكي ضعفها* لطبك في نبضها الفاتر
ترى منك ناصره غائبا* وشرك العدى حاضر الناصر
فنوسع سمعك عتبا يكاد* يثيرك قبل ندا الآمر
نهزك لا مؤثرا للقعود* على وثبة الأسد الخادر
ونوقض عزمك لا بائتا* بمقلة من ليس بالساهر
ونعلم أنك عما تروم* لم يك باعك بالقاصر
ولم تخش من قاهر حيث ما* سوى الله فوقك من قاهر
ولا بدّ من أن نرى الظالمين* بسيفك مقطوعة الدابر
بيوم به ليس تبقى ضباك* على دارع الشرك والحاسر
ولو كنت تملك أمر النهوض* أخذت له أهبة الثائر
وإنا وإن ضرستنا الخطوب* لنعطيك جهد رضى العاذر
ولكن نرى ليس عند الاله* أكبر من جاهك الوافر
فلو نسأل الله تعجيله* ظهورك في الزمن الحاضر
لوافتك دعوته في الظهور* بأسرع من لمحة الناظر
فثقف عدلك من ديننا* قنا عجمتها يد الآطر
وسكن أمنك منا حشى* غدت بين خافقتي طائر
إلام وحتى م تشكو العقام* لسيفك ام الوغى العاقر
ولم تتلظى عطاش السيوف* إلى ورد ماء الطلى الهامر (الهامر: الهاطل السيال)
أما لقعودك من آخر* أثرها فديتك من ثائر
وقدها يميت ضحى المشرقين* بظلمة قسطلها المائر
يردن بمن لا يغير الحمام* أو درك الوتر بالصادر
وكل فتى حنيت ضلعه* على قلب ليث شرى هامر (من قولهم: همر الفرس الأرض: ضربها بحوافره شديدا)
يحدثه أسمر حاذق* بزجر عقاب الوغا الكاسر
بأن له أن يسر مستميتا* لطعن العدى أوبة الظافر
فيغدو أخف لضم الرماح* منه لضم المها العاطر
اولئك آل الوغى الملبسون* عدوهم ذلة الصاغر
هم صفوة المجد من هاشم* وخالصة الحسب الفاخر
كواكب منك بليل الكفاح* تحف بنيرها الباهر
لهم أنت قطب وغى ثابت* وهم لك كالفلك الدائر
ظماء الجياد ولكنهم* رؤا المثقف والباتر
كماة تلقب أرماحهم* برضاعة الكبد الواغر
وتسمى سيوفهم الماضيات* لدى الروع بالأجل الحاضر
فان سددوا السمر حكوا السماء* وسدوا الفضاء على الطائر
وإن جردوا البيض فالصافنات* تعوم ببحر دم زاخر
فثمة طعن قنا لا تقيل* أسنتها عثرة الغادر
وضرب يؤلف بين النفوس* وبين الردى الفة القاهر
ألا أين أنت أيا طالبا* بماضي الذحول وبالغابر
وأين المعد لمحو الضلال* وتجديد رسم الهدى الداثر
وناشر راية دين الاله* وناعش جد التقى العاثر
ويابن العلى ورثوا كابرا* حميد المآثر عن كابر
ومدحهم مفخر المادحين* وذكرهم شرف الذاكر
ومن عاقدوا الحرب أن لا تنام* عن السيف عنهم يد الشاهر
تدارك بسيفك وتر الهدى* فقد أمكنتك طلى الواتر
كفى أسفا أن يمر الزمان* ولست بناه ولا آمر
وأن ليس أعيننا تستضئ* بمصباح طلعتك الزاهر
على أن فينا اشتياقا إليك* كشوق الربا للحيا الماطر
عليك إمام الهدى غرما* غدا البر تلقى من الفاخر
لك الله حلمك غر النعام* فأنساهم بطشة القادر
وطول انتظارك فت القلوب* وأغضى الجفون على عائر
فكم ينحت الهم أحشاءنا* وكم تستطيل يد الجائر
وكم نصب عينك يا ابن النبي* نساط بقدر البلا الفاتر
وكم نحن في كهوات الخطوب* نناديك من فمها الفاغر
ولم تك منا عيون الرجا* ء بغيرك معقودة الناظر
أصبرا على مثل حز المدى* ونفحة جمر الغضا الساغر
أصبرا وهذي تيوس الضلال* قد أمنت شفرة الجازر
أصبرا وسرب العدى واقع* يروح ويغدو بلا ذاعر
نرى سيف أولهم منتضى* على هامنا بيد الآخر
به تعرق اللحم منا وفيه* تشظى العظام يد الكاسر
وفيه يسوموننا خطة* بها ليس يرضى سوى الكافر
فنشكو إليهم ولا يعطفون* كشكوى العقيرة للعاقر
وحين البطان التقت حلقتاه* ولم نر للبغي من زاجر [(البطان للقتب: الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير يقال: (التقت حلقتان البطان) للأمر إذا أشتد، وهو بمنزله التصدير للرحل)]
عججنا إليك من الظالمين* عجيج الجمال من الناحر
تمت الرسالة الشريفة بيد مؤلفها العبد المذنب المسيئ حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي في عصر يوم الأحد الثالث عشر من شوال المكرم سنة ١٣٠٢ في بلدة سر من رأى حامدا مصليا مستغفرا، اللهم وفقه وكل المؤلفين والبانين للخير بحق محمّد وآله.
                    *   *   *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رقعة لقضاء الحاجة

دعاؤه عليه السلام في الصلوات على النبي وآله (عليهم السلام) .

دعاؤه عليه السلام في الشدائد والمهمات المسمى بدعاء العلوي المصري.