الحكاية اللقاء بالإمام المهدي عليه السلام
الحكاية اللقاء بالإمام المهدي عليه السلام
(مكاشفات للسيد ابن طاووس قدس سره)
قال السيد الجليل صاحب المقامات الباهرة والكرامات الظاهرة رضي الدين عليّ بن طاووس في كتاب غياث سلطان الورى على ما نقله عنه المحدث الاسترابادي في الفوائد المدنية في نسختين كانت إحداهما بخط الفاضل الهندي ما لفظه: يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس: كنت قد توجهت أنا وأخي الصالح محمّد بن محمّد بن محمّد القاضي الآوي ضاعف الله سعادته، وشرف خاتمته من الحلة إلى مشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر جمادي الاخرى سنة إحدى وأربعين وستمائة، فاختار الله لنا المبيت بالقرية التي تسمى دورة بن سنجار، وبات أصحابنا ودوابنا في القرية، وتوجهنا منها أوائل نهار يوم الأربعاء ثامن عشر الشهر المذكور. فوصلنا إلى مشهد مولانا عليّ صلوات الله وسلامه عليه قبل ظهر يوم الأربعاء المذكور، فزرنا وجاء الليل في ليلة الخميس تاسع عشر جمادي الاخرى المذكورة فوجدت من نفسي إقبالا على الله، وحضورا وخيرا كثيرا فشاهدت ما يدل على القبول والعناية والرأفة وبلوغ المأمول والضيافة، فحدثني أخي الصالح محمّد بن محمّد الآوي ضاعف الله سعادته أنه رأى في تلك الليلة في منامه كأن في يدي لقمة وأنا أقول له: هذه من فم مولانا المهدي عليه السلام وقد أعطيته بعضها.
فلما كان سحر تلك الليلة، كنت على ما تفضل الله به من نافلة الليل فلما أصبحنا به من نهار الخميس المذكور، دخلت الحضرة حضرة مولانا عليّ صلوات الله عليه على عادتي، فورد عليّ من فضل الله وإقباله والمكاشفة، ما كدت أسقط على الأرض، ورجفت أعضائي وأقدامي، وارتعدت رعدة هائلة، على عوائد فضله عندي وعنايته لي، وما أراني من بره لي ورفدي، وأشرفت على الفناء ومفارقة دار الفناء والإنتقال إلى دار البقاء، حتّى حضر الجمال محمّد بن كنيلة، وأنا في تلك الحال فسلم عليّ فعجزت عن مشاهدته، وعن النظر إليه، وإلى غيره، وما تحققته بل سألت عنه بعد ذلك، فعرفوني به تحقيقا وتجددت في تلك الزيارة مكاشفات جليلة، وبشارات جميلة.
وحدثني أخي الصالح محمّد بن محمّد بن محمّد الآوي ضاعف الله سعادته، بعدة بشارات رواها لي منها أنه رأى كأن شخصا يقص عليه في المنام مناما، ويقول له: قد رأيت كأن فلانا _ يعني عني _ [(قد تكرر في الحكايه قوله: (يعني عني) وأمثاله، وهي من لغه أهل العراق: المولدين، وكأنه يستعمل (يعني) بمعنى (يكنى) أي يكنى بفلان عني)] وكأنني كنت حاضرا لما كان المنام يقص عليه _ راكب فرسا وأنت يعني الأخ الصالح الآوي، وفارسان آخران قد صعدتم جميعا إلى السماء.
قال: فقلت له: أنت تدري أحد الفارسين من هو؟
فقال صاحب المنام في حال النوم لا أدري، فقلت: أنت _ يعني عني _ ذلك مولانا المهدي صلوات الله وسلامه عليه.
وتوجهنا من هناك لزيارة أول رجب بالحلة، فوصلنا ليلة الجمعة، سابع عشر جمادى الآخرة بحسب الاستخارة، فعرفني حسن بن البقلي يوم الجمعة المذكورة أن شخصا فيه صلاح يقال له: عبد المحسن، من أهل السواد قد حضر بالحلة وذكر أنه قد لقيه مولانا المهدي صلوات الله عليه ظاهرا في اليقظة، وقد أرسله إلى عندي برسالة، فنفذت قاصدا وهو محفوظ بن قرا فحضرا ليلة السبت ثامن عشر من جمادي الآخرة المقدم ذكرها.
فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن، فعرفته فهو رجل صالح، لا يشك النفس في حديثه، ومستغن عنا، وسألته فذكر أن أصله من حصن بشر وأنه انتقل إلى الدولاب الذي بازاء المحولة المعروفة بالمجاهدية، ويعرف الدولاب بابن أبي الحسن وأنه مقيم هناك، وليس له عمل بالدولاب ولا زرع ولكنه تاجر في شراء غليلات وغيرها، وأنه كان قد ابتاع غلة من ديوان السرائر وجاء ليقبضها، وبات عند المعيدية في المواضع المعروفة بالمحبر.
فلما كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيدية، فخرج بقصد النهر، والنهر في جهة المشرق، فما أحس بنفسه إلا وهو في قل السلم، في طريق مشهد الحسين عليه السلام، في جهة المغرب، وكان ذلك ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادي الآخرة من سنة إحدى وأربعين وستمائة التي تقدم شرح بعض ما تفضل الله عليّ فيها وفي نهارها في خدمة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
فجلست اريق ماء وإذا فارس عندي ما سمعت له حسا، ولا وجدت لفرسه حركة، ولا صوتا، وكان القمر طالعا، ولكن كان الضباب كثيراً (الضباب: ندى كالغبار يغشي الأرض وقيل سحاب رقيق كالدخان، يقال له بالفارسيه (مه)) .
فسألته عن الفارس وفرسه، فقال: كان لون فرسه صدءا وعليه ثياب بيض وهو متحنك بعمامة ومتقلد بسيف.
فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن: كيف وقت الناس؟
قال عبد المحسن: فظننت أنه يسأل عن ذلك الوقت، قال: فقلت الدنيا عليه ضباب وغبرة.
فقال: ما سألتك عن هذا أنا سألتك عن حال الناس.
قال: فقلت: الناس طيبين مرخصين آمنين في أوطانهم وعلى أموالهم.
فقال: تمضي إلى ابن طاووس، وتقول له كذا وكذا، وذكر لي ما قال صلوات الله عليه ثمّ قال عنه عليه السلام: فالوقت قد دنا، فالوقت قد دنا.
قال عبد المحسن فوقع في قلبي وعرفت نفسي أنه مولانا صاحب الزمان عليه السلام فوقعت على وجهي وبقيت كذلك مغشيا عليّ إلى أن طلع الصبح، قلت له: فمن أين عرفت أنه قصد ابن طاووس عني؟ [(هكذا في النسخه والصحيح (قصدني عن أبن طاووس) رحمه الله، أقول: قد عرفت أن ناقل الحكايه من أهل السواد، فإذا عدى (عني) و (قصد) بعن الجاره يضمنه معنى الكنايه كأنه قال: (كنى بأبن طاووس عني) ومعناه على لغته ظاهر.)]
قال: ما أعرف من بني طاووس إلا أنت، وما في قلبي إلا انه قصد بالرسالة إليك.
قلت: أي شيء فهمت بقوله عليه السلام: (فالوقت قد دنا فالوقت قد دنا) هل قصد وفاتي قد دنا أم قد دنا وقت ظهوره صلوات الله وسلامه عليه؟
فقال: بل قد دنا وقت ظهوره صلوات الله عليه.
قال: فتوجهت ذلك الوقت إلى مشهد الحسين عليه السلام وعزمت أنني ألزم بيتي مدة حياتي أعبد الله تعالى، وندمت كيف ما سألته صلوات الله عليه عن أشياء كنت أشتهي أسأله فيها.
قلت له: هل عرفت بذلك أحدا؟
قال: نعم، عرفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيدية، وتوهموا أني قد ضللت وهلكت بتأخيري عنهم، واشتغالي بالغشية التي وجدتها، ولأنهم كانوا يروني طول ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه عليه السلام فوصيته أن لا يقول ذلك لأحد أبدا، وعرضت عليه شيئا فقال: أنا مستغن عن الناس وبخير كثير.
فقمت أنا وهو فلما قام عني نفذت له غطاء وبات عندنا في المجلس على باب الدار التي هي مسكني الآن بالحلة، فقمت وكنت أنا وهو في الروشن [(الروشن: أصلها فارسيه، قال الفيروزآبادي: (الروشن: الكوة) لكن المراد بقرينه ما بعده: بالغرفه المشرفه.)] في خلوة، فنزلت لأنام فسألت الله زيادة كشف في المنام في تلك الليلة أراه أنا. فرأيت كأن مولانا الصادق عليه السلام قد جاءني بهدية عظيمة، وهي عندي وكأنني ما أعرف قدرها، فاستيقظت وحمدت الله، وصعدت الروشن لصلاة نافلة الليل، وهي ليلة السبت ثامن عشر جمادي الآخرة فأصعد فتح [(فتح: أسم غلامه (منه رحمه الله).)] الابريق إلى عندي فمددت يدي فلزمت عروته لأفرغ على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة، فقلت: لعل الماء نجس فأراد الله أن يصونني عنه فإن لله عز وجل عليّ عوائد كثيرة أحدها مثل هذا وأعرفها. فناديت إلى فتح، وقلت: من أين ملأت الابريق؟
فقال: من المصبة [(في الأصل المطبوع: المسببه، بالسين وهو التصحيف.) فقلت: هذا لعله نجس فاقلبه وطهره (في نسخه الفاضل الهندي: (فاشطفه) وهو الأصح لغه، وبقرينه ما يأتي. (منه رحمه الله). أقول: الشطف: الغسل، وهي لغه سواد أهل العراق، ليست بأصيله )] [(في النسخه (واطهره)] واملأه من
الشط فمضى وقلبه وأنا أسمع صوت الابريق وشطفه وملأه من الشط، وجاء به فلزمت عروته وشرعت اقلب منه على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني منه.
فعدت وصبرت، ودعوت بدعوات، وعاودت الابريق وجرى مثل ذلك، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة، وقلت في خاطري: لعل الله يريد أن يجري عليّ حكما وابتلاء غدا ولا يريد أن أدعو الليلة في السلامة من ذلك، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك. فنمت وأنا جالس، وإذا برجل يقول لي: _ يعني عبد المحسن الذي جاء بالرسالة _ كأنه ينبغي أن تمشي بين يديه، فاستيقظت ووقع في خاطري أنني قد قصرت في احترامه وإكرامه، فتبت إلى الله جل جلاله، واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك، وشرعت في الطهارة فلم يمسك أبدا (فم) الابريق وتركت على عادتي فتطهرت وصليت ركعتين فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل، وفهمت أنني ما قمت بحق هذه الرسالة. فنزلت إلى الشيخ عبد المحسن، وتلقيته وأكرمته، وأخذت له من خاصتي ستانير [(ستانير: كذا في النسخه والظاهر أنه مخفف (سته دنانير) كذا بخط المؤلف رحمه الله، أقول: بل هو مقطوع لما يأتي بعده من التصريح بذلك، وهو مثل قولهم: (ستى) مخفف (سيدتي))] ومن غير خاصتي خمسة عشر دينارا مما كنت أحكم فيه كمالي (أي مثل مالي) وخلوت به في الروشن، وعرضت ذلك عليه، واعتذرت إليه، فامتنع من قبول شيء أصلا.
وقال: إن معي نحو مائة دينار وما آخذ شيئا، أعطه لمن هو فقير، وامتنع غاية الامتناع.
فقلت: إن رسول مثله عليه الصلاة والسلام، يعطى لأجل الاكرام لمن
أرسله لا لأجل فقره وغناه، فامتنع، فقلت له: (مبارك) أما الخمسة عشر، فهي من غير خاصتي، فلا اكرهك على قبولها، وأما هذه الستة دنانير فهي من خاصتي فلا بد أن تقبلها مني فكاد أن يؤيسني من قبولها، فألزمته فأخذها، وعاد تركها، فألزمته فأخذها، وتغديت أنا وهو، ومشيت بين يديه كما امرت في المنام إلى ظاهر الدار وأوصيته بالكتمان، والحمد لله وصلى الله على سيد المرسلين محمّد وآله الطاهرين.
* * *
(مكاشفات للسيد ابن طاووس قدس سره)
قال السيد الجليل صاحب المقامات الباهرة والكرامات الظاهرة رضي الدين عليّ بن طاووس في كتاب غياث سلطان الورى على ما نقله عنه المحدث الاسترابادي في الفوائد المدنية في نسختين كانت إحداهما بخط الفاضل الهندي ما لفظه: يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس: كنت قد توجهت أنا وأخي الصالح محمّد بن محمّد بن محمّد القاضي الآوي ضاعف الله سعادته، وشرف خاتمته من الحلة إلى مشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر جمادي الاخرى سنة إحدى وأربعين وستمائة، فاختار الله لنا المبيت بالقرية التي تسمى دورة بن سنجار، وبات أصحابنا ودوابنا في القرية، وتوجهنا منها أوائل نهار يوم الأربعاء ثامن عشر الشهر المذكور. فوصلنا إلى مشهد مولانا عليّ صلوات الله وسلامه عليه قبل ظهر يوم الأربعاء المذكور، فزرنا وجاء الليل في ليلة الخميس تاسع عشر جمادي الاخرى المذكورة فوجدت من نفسي إقبالا على الله، وحضورا وخيرا كثيرا فشاهدت ما يدل على القبول والعناية والرأفة وبلوغ المأمول والضيافة، فحدثني أخي الصالح محمّد بن محمّد الآوي ضاعف الله سعادته أنه رأى في تلك الليلة في منامه كأن في يدي لقمة وأنا أقول له: هذه من فم مولانا المهدي عليه السلام وقد أعطيته بعضها.
فلما كان سحر تلك الليلة، كنت على ما تفضل الله به من نافلة الليل فلما أصبحنا به من نهار الخميس المذكور، دخلت الحضرة حضرة مولانا عليّ صلوات الله عليه على عادتي، فورد عليّ من فضل الله وإقباله والمكاشفة، ما كدت أسقط على الأرض، ورجفت أعضائي وأقدامي، وارتعدت رعدة هائلة، على عوائد فضله عندي وعنايته لي، وما أراني من بره لي ورفدي، وأشرفت على الفناء ومفارقة دار الفناء والإنتقال إلى دار البقاء، حتّى حضر الجمال محمّد بن كنيلة، وأنا في تلك الحال فسلم عليّ فعجزت عن مشاهدته، وعن النظر إليه، وإلى غيره، وما تحققته بل سألت عنه بعد ذلك، فعرفوني به تحقيقا وتجددت في تلك الزيارة مكاشفات جليلة، وبشارات جميلة.
وحدثني أخي الصالح محمّد بن محمّد بن محمّد الآوي ضاعف الله سعادته، بعدة بشارات رواها لي منها أنه رأى كأن شخصا يقص عليه في المنام مناما، ويقول له: قد رأيت كأن فلانا _ يعني عني _ [(قد تكرر في الحكايه قوله: (يعني عني) وأمثاله، وهي من لغه أهل العراق: المولدين، وكأنه يستعمل (يعني) بمعنى (يكنى) أي يكنى بفلان عني)] وكأنني كنت حاضرا لما كان المنام يقص عليه _ راكب فرسا وأنت يعني الأخ الصالح الآوي، وفارسان آخران قد صعدتم جميعا إلى السماء.
قال: فقلت له: أنت تدري أحد الفارسين من هو؟
فقال صاحب المنام في حال النوم لا أدري، فقلت: أنت _ يعني عني _ ذلك مولانا المهدي صلوات الله وسلامه عليه.
وتوجهنا من هناك لزيارة أول رجب بالحلة، فوصلنا ليلة الجمعة، سابع عشر جمادى الآخرة بحسب الاستخارة، فعرفني حسن بن البقلي يوم الجمعة المذكورة أن شخصا فيه صلاح يقال له: عبد المحسن، من أهل السواد قد حضر بالحلة وذكر أنه قد لقيه مولانا المهدي صلوات الله عليه ظاهرا في اليقظة، وقد أرسله إلى عندي برسالة، فنفذت قاصدا وهو محفوظ بن قرا فحضرا ليلة السبت ثامن عشر من جمادي الآخرة المقدم ذكرها.
فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن، فعرفته فهو رجل صالح، لا يشك النفس في حديثه، ومستغن عنا، وسألته فذكر أن أصله من حصن بشر وأنه انتقل إلى الدولاب الذي بازاء المحولة المعروفة بالمجاهدية، ويعرف الدولاب بابن أبي الحسن وأنه مقيم هناك، وليس له عمل بالدولاب ولا زرع ولكنه تاجر في شراء غليلات وغيرها، وأنه كان قد ابتاع غلة من ديوان السرائر وجاء ليقبضها، وبات عند المعيدية في المواضع المعروفة بالمحبر.
فلما كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيدية، فخرج بقصد النهر، والنهر في جهة المشرق، فما أحس بنفسه إلا وهو في قل السلم، في طريق مشهد الحسين عليه السلام، في جهة المغرب، وكان ذلك ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادي الآخرة من سنة إحدى وأربعين وستمائة التي تقدم شرح بعض ما تفضل الله عليّ فيها وفي نهارها في خدمة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
فجلست اريق ماء وإذا فارس عندي ما سمعت له حسا، ولا وجدت لفرسه حركة، ولا صوتا، وكان القمر طالعا، ولكن كان الضباب كثيراً (الضباب: ندى كالغبار يغشي الأرض وقيل سحاب رقيق كالدخان، يقال له بالفارسيه (مه)) .
فسألته عن الفارس وفرسه، فقال: كان لون فرسه صدءا وعليه ثياب بيض وهو متحنك بعمامة ومتقلد بسيف.
فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن: كيف وقت الناس؟
قال عبد المحسن: فظننت أنه يسأل عن ذلك الوقت، قال: فقلت الدنيا عليه ضباب وغبرة.
فقال: ما سألتك عن هذا أنا سألتك عن حال الناس.
قال: فقلت: الناس طيبين مرخصين آمنين في أوطانهم وعلى أموالهم.
فقال: تمضي إلى ابن طاووس، وتقول له كذا وكذا، وذكر لي ما قال صلوات الله عليه ثمّ قال عنه عليه السلام: فالوقت قد دنا، فالوقت قد دنا.
قال عبد المحسن فوقع في قلبي وعرفت نفسي أنه مولانا صاحب الزمان عليه السلام فوقعت على وجهي وبقيت كذلك مغشيا عليّ إلى أن طلع الصبح، قلت له: فمن أين عرفت أنه قصد ابن طاووس عني؟ [(هكذا في النسخه والصحيح (قصدني عن أبن طاووس) رحمه الله، أقول: قد عرفت أن ناقل الحكايه من أهل السواد، فإذا عدى (عني) و (قصد) بعن الجاره يضمنه معنى الكنايه كأنه قال: (كنى بأبن طاووس عني) ومعناه على لغته ظاهر.)]
قال: ما أعرف من بني طاووس إلا أنت، وما في قلبي إلا انه قصد بالرسالة إليك.
قلت: أي شيء فهمت بقوله عليه السلام: (فالوقت قد دنا فالوقت قد دنا) هل قصد وفاتي قد دنا أم قد دنا وقت ظهوره صلوات الله وسلامه عليه؟
فقال: بل قد دنا وقت ظهوره صلوات الله عليه.
قال: فتوجهت ذلك الوقت إلى مشهد الحسين عليه السلام وعزمت أنني ألزم بيتي مدة حياتي أعبد الله تعالى، وندمت كيف ما سألته صلوات الله عليه عن أشياء كنت أشتهي أسأله فيها.
قلت له: هل عرفت بذلك أحدا؟
قال: نعم، عرفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيدية، وتوهموا أني قد ضللت وهلكت بتأخيري عنهم، واشتغالي بالغشية التي وجدتها، ولأنهم كانوا يروني طول ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه عليه السلام فوصيته أن لا يقول ذلك لأحد أبدا، وعرضت عليه شيئا فقال: أنا مستغن عن الناس وبخير كثير.
فقمت أنا وهو فلما قام عني نفذت له غطاء وبات عندنا في المجلس على باب الدار التي هي مسكني الآن بالحلة، فقمت وكنت أنا وهو في الروشن [(الروشن: أصلها فارسيه، قال الفيروزآبادي: (الروشن: الكوة) لكن المراد بقرينه ما بعده: بالغرفه المشرفه.)] في خلوة، فنزلت لأنام فسألت الله زيادة كشف في المنام في تلك الليلة أراه أنا. فرأيت كأن مولانا الصادق عليه السلام قد جاءني بهدية عظيمة، وهي عندي وكأنني ما أعرف قدرها، فاستيقظت وحمدت الله، وصعدت الروشن لصلاة نافلة الليل، وهي ليلة السبت ثامن عشر جمادي الآخرة فأصعد فتح [(فتح: أسم غلامه (منه رحمه الله).)] الابريق إلى عندي فمددت يدي فلزمت عروته لأفرغ على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة، فقلت: لعل الماء نجس فأراد الله أن يصونني عنه فإن لله عز وجل عليّ عوائد كثيرة أحدها مثل هذا وأعرفها. فناديت إلى فتح، وقلت: من أين ملأت الابريق؟
فقال: من المصبة [(في الأصل المطبوع: المسببه، بالسين وهو التصحيف.) فقلت: هذا لعله نجس فاقلبه وطهره (في نسخه الفاضل الهندي: (فاشطفه) وهو الأصح لغه، وبقرينه ما يأتي. (منه رحمه الله). أقول: الشطف: الغسل، وهي لغه سواد أهل العراق، ليست بأصيله )] [(في النسخه (واطهره)] واملأه من
الشط فمضى وقلبه وأنا أسمع صوت الابريق وشطفه وملأه من الشط، وجاء به فلزمت عروته وشرعت اقلب منه على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني منه.
فعدت وصبرت، ودعوت بدعوات، وعاودت الابريق وجرى مثل ذلك، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة، وقلت في خاطري: لعل الله يريد أن يجري عليّ حكما وابتلاء غدا ولا يريد أن أدعو الليلة في السلامة من ذلك، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك. فنمت وأنا جالس، وإذا برجل يقول لي: _ يعني عبد المحسن الذي جاء بالرسالة _ كأنه ينبغي أن تمشي بين يديه، فاستيقظت ووقع في خاطري أنني قد قصرت في احترامه وإكرامه، فتبت إلى الله جل جلاله، واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك، وشرعت في الطهارة فلم يمسك أبدا (فم) الابريق وتركت على عادتي فتطهرت وصليت ركعتين فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل، وفهمت أنني ما قمت بحق هذه الرسالة. فنزلت إلى الشيخ عبد المحسن، وتلقيته وأكرمته، وأخذت له من خاصتي ستانير [(ستانير: كذا في النسخه والظاهر أنه مخفف (سته دنانير) كذا بخط المؤلف رحمه الله، أقول: بل هو مقطوع لما يأتي بعده من التصريح بذلك، وهو مثل قولهم: (ستى) مخفف (سيدتي))] ومن غير خاصتي خمسة عشر دينارا مما كنت أحكم فيه كمالي (أي مثل مالي) وخلوت به في الروشن، وعرضت ذلك عليه، واعتذرت إليه، فامتنع من قبول شيء أصلا.
وقال: إن معي نحو مائة دينار وما آخذ شيئا، أعطه لمن هو فقير، وامتنع غاية الامتناع.
فقلت: إن رسول مثله عليه الصلاة والسلام، يعطى لأجل الاكرام لمن
أرسله لا لأجل فقره وغناه، فامتنع، فقلت له: (مبارك) أما الخمسة عشر، فهي من غير خاصتي، فلا اكرهك على قبولها، وأما هذه الستة دنانير فهي من خاصتي فلا بد أن تقبلها مني فكاد أن يؤيسني من قبولها، فألزمته فأخذها، وعاد تركها، فألزمته فأخذها، وتغديت أنا وهو، ومشيت بين يديه كما امرت في المنام إلى ظاهر الدار وأوصيته بالكتمان، والحمد لله وصلى الله على سيد المرسلين محمّد وآله الطاهرين.
* * *
تعليقات
إرسال تعليق
أضف تعليقاً