الإعداد الروحي لعصر الظهور .

المعلم الرابع: (تبسيط الأمور وتيسيرها):
مَعْلم آخر من المعالم في طريقة أهل البيت عليهم السلام في تربية النفس وتزكيتها، هذا المَعْلم هو: تبسيط الأمور وتيسيرها، في طريق التزكية هناك أساليب مختلفة، وهناك درجات من السهولة والصعوبة، أهل البيت عليهم السلام كأئمّة للجميع (لا نعتقد أن الإمام الصادق مثلاً إمامنا فقط) بل هو عليه السلام إمام الخلق أجمعين، إمام الثقلين (أيّ إمام الإنس والجن) الإمام مسؤول عن الجميع، مسؤول عن ارشاد الجميع وعن هدايتهم، فما يصدر منه من تعاليم ليس صادراً لي فقط، أو لفلان الذي في الحوزة، أو للشيعة فقط، بل هو صادر للخلق أجمع، وكذلك الإمام المهدي عندما يظهر سنجد الشعوب جميعاً تستفيد من ثقافة أهل البيت عليهم السلام على حد سواء، هذه الروايات والأدعية ستكون في متناول كل الشعوب.
ثقافة أهل البيت عليهم السلام ثقافة إنسانية عامة، ثقافة عالمية، لا تتحدد بشخص، ولا تتحدد بشعب.
ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أنها ثقافة تتناول كل مستويات البشر، وكل مستويات التفكير، وكل مستويات الصبر عند الناس.
لاحظوا: مرةً توجّه لي دعوة أن أتكلم في دورة من الدرس لطلاب ومستويات معينة، عندها سيكون الحديث في مستوى معين، أما عندما يقال لي سيدنا الحديث سيكون للملأ، حينئذ يجب عليّ أن أتحدث بطريقة يفهمها كل الناس وكل المستويات، الإمام عليه السلام حينما يتحدث في التزكية والتربية الأخلاقية فهو يخاطب الخلق أجمعين. ويطلب منهم جميعاً أن يصلحوا نفوسهم، ولا يمكن افتراض خصوصية لنخبة معينه في هذا الخطاب.
موضوع التزكية حينما تحدث عنه أهل البيت عليهم السلام تحدّثوا مع كل مستويات الخلق، ولكن في بعض الأحيان كانوا عليهم السلام يتحدّثون مع بعض الأصحاب بمستوى معين، مثلاً: عندما يأتي زرارة أو محمّد بن مسلم الثقفي، فالإمام عليه السلام يتحدّث معهم بمستوياتهم الفكرية والروحية، هؤلاء فقهاء عظماء، لكن الأئمّة عليهم السلام في مشروعهم التربوي والثقافي تحدثوا للناس جميعاً. لأنه مشروع إنساني عام لا يستبعد منه أحد. والتزكية ليست حكراً على محمّد بن مسلم أو زرارة.
أرشدوا الناس إلى أيسر الطرق، أقلّ الناس يستطيع أن يهتدي، ويستطيع أن يكون واصلاً إلى رضوان الله تعالى، من الإنسان العامل ذي الحرفة البسيطة في الشارع إلى الإنسان العالم، كلهم يستفيد من كلام أهل البيت عليهم السلام كلٌ بقدره.
من هنا ينبغي التنبيه على ما يشيع في بعض الأوساط من أساليب معقدة وصعبة للتزكية، هذه يجب أن يضع عليها الإنسان علامة استفهام، يعني عندما تجلس عند أحد تسمع منه: أنك إذا أردت أن يصفو قلبك، وتبلغ إلى مراتب ينكشف لك الغيب، أو تصبح شفافاً، فعليك بالالتزام بهذه الأذكار، في أوقات معينة، في حال معين، أن لا تأكل في بيت أحد، تأكل في بيتك من خبز ولبن حيث تعرف من أين اشتريته، أما إذا دُعيت إلى مكان فلا تأكل، حينما تريد أن تمارس الذكر تجلس وحدك لا يراك أحد ولا ترى أحداً، الذكر ليس ١٠٠ مرة أو ألف مرة بل عشرات الآلاف من المرات، هذه التعاليم (وهي موجودة) عندما نسمعها يجب أن نضع عليها علامة استفهام.
السؤال الأوّل الذي نوجهه إلى مصدر هذه التعاليم: نقول له: من أين لك هذا؟ من أين جئت بهذه التعاليم؟ نصّبت نفسك طبيباً، هل أنت مخوّل بهذه الطبابة؟ وهل كل من يدعي الطبابة نصدقه؟ كل من ادعى أنه جراح أو طبيب يستطيع اليوم أن يفتح عيادة ويمارس تطبيب الناس وعلاجهم؟ لا طبعاً، بل هناك اجراءات قانونية معينة يثبت بها أنه طبيب حقيقي ومخول بممارسة النوع الفلاني من التطبيب، وإلا سيلقي القبض عليه ويكون تحت طائلة القانون.
جيد، هذا في مجال البدن نحن حريصون جداً على أن لا نسلم أبداننا إلى المدعين، في مجال الروح الأمر سيكون أصعب وأخطر بكثير، نقول لمن يدعي هذا المقام ويعطي هذه التعاليم: إن كان هذا الكلام من أهل البيت عليهم السلام فجيد جداً ولا بدّ أن يكون كلامه مسنداً بالمصادر المعتبرة عند الطائفة، (أصول الكافي، أو مهج الدعوات، أو المصباح) أو غيرها. وأما إذا قلت لي أنها من مجربات الأصحاب أو من مجرباتي الشخصية، أقول لك: المعذرة، أنا لا أسلّم قلبي الذي أريد مداواته وروحي التي أريد تصفيتها إلى من لا أثق بصلاحيته، بل أسلّم قلبي وروحي إلى الأطباء الحقيقيين وهم أهل البيت عليهم السلام، أو من حمل عنهم ونقل عنهم. ودواء الروح لا يأتي إلا من الوحي وأطباء النفوس، إذاً نرجع فنقول: هذه الأساليب تجدونها عند بعض من يدعي القرب والمقامات والأساليب الصوفية أو العرفان الفلسفي.
وقد رأينا كثيراً ممن مارسوا هذه الأساليب وانحرفوا خلف أولئك الناس قد تعبوا، لأنه عمل مُضْن جداً، ليس كل إنسان يقدر على ذلك، فبعضهم ينهار، وبعضهم يصاب بلوثة في عقله، وبعضهم يهرب فهذه الأساليب ليست أساليب أهل البيت عليهم السلام، بل أساليبهم مبنيّة على التيسير، على الفطرة، لأن المخاطب بذلك كل الناس ليكون كل الناس قادرين على هذه الأفعال. ولذلك تجدون في باب الذكر
في أصول الكافي في آخر المجلد الثاني في فضل قراءة القرآن وفي فضل الذكر تجدون أذكار مذكورة مثلاً: أن ذكر (لا إله إلا الله) يملأ الميزان، وما في الميزان شيء أثقل من (اللهم صل على محمّد وآل محمّد) وغير ذلك من أذكار أداؤها سهل على الناس. [(أنظر: الكافي/ الكليني ٤٩١:٢ - ٥٤٧)] فطريقة أهل البيت مبنيّة على التيسير والسهولة، أما التعقيد فهذا أمر يجب أن نستوحش منه، ونبتعد عنه في موضوع التزكية.
*     *     *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رقعة لقضاء الحاجة

دعاؤه عليه السلام في الصلوات على النبي وآله (عليهم السلام) .

دعاؤه عليه السلام في الشدائد والمهمات المسمى بدعاء العلوي المصري.