فيما أخبر به الكهنة وما وجد من ذلك مكتوباً في الألواح والصخور
نادر فيما أخبر به الكهنة وأضرابهم وما وجد من ذلك مكتوباً في الألواح والصخور
.
روى البرسي في (مشارق الأنوار) عن كعب بن الحارث قال: إنَّ ذا جدن [في المصدر: (يزن) بدل (جدن)] الملك أرسل إلى السطيح لأمر شكّ فيه فلمَّا قدم عليه أراد أن يجرَب علمه قبل حكمه فخبَّأ له ديناراً تحت قدمه ثُمَّ أذن له فدخل فقال له الملك: ما خبَّأت لك يا سطيح؟ فقال سطيح: حلفت بالبيت والحرم، والحجر الأصمّ، والليل إذا أظلم، والصبح إذا تبسَّم، وبكل فصيح وأبكم، لقد خبَّأت لي ديناراً بين النعل والقدم، فقال الملك: من أين علمك هذا يا سطيح!؟ فقال: من قبل أخ لي حتَّى ينزل معي أنّى نزلت.
فقال الملك: أخبرني عمَّا يكون في الدهور، فقال سطيح: إذا غارت الأخيار وقادت [في المصدر: (وعزت) بدل (وقادت)] الأشرار، وكذّب بالأقدار، وحمل المال بالأوقار، وخشعت الأبصار لحامل الأوزار، وقطعت الأرحام، وظهرت الطغام، المستحلّي الحرام، في حرمة الإسلام، واختلفت الكلمة، وخفرت الذمّة، وقلَّت الحرمة، وذلك عند طلوع الكوكب الذي يفزع العرب، وله شبيه الذنب، فهناك تنقطع الأمطار، وتجفّ الأنهار، وتختلف الأعصار، وتغلو الأسعار، في جميع الأقطار.
ثُمَّ تقبل البربر بالرايات الصفر، على البراذين السبر [في المصدر: (ثمّ تقبل البرر (الهزبرخ) بالرايات الصفر على البراذين البتر)] ، حتَّى ينزلوا مصر فيخرج رجل من ولد صخر، فيبدلّ الرايات السود بالحمر، فيبيح المحرّمات، ويترك النساء بالثدايا معلقات، وهو صاحب نهب الكوفة، فربّ بيضاء الساق مكشوفة على الطريق مردوفة، بها الخيل محفوفة، قتل زوجها، وكثر عجزها، واستحلّ فرجها فعندها يظهر ابن النبيّ المهدي، وذلك إذا قتل المظلوم بيثرب، وابن عمّه في الحرم، وظهر الخفي فوافق الوشمي [في المصدر: (الوسمي)] فعند ذلك يقبل المشوم بجمعه الظلوم فتظاهر الروم، بقتل القروم [في المصدر: (فيطاهي الروم، ويقتل القروم)] ، فعندها ينكسف كسوف، إذا جاء الزحوف، وصفّ الصفوف.
ثُمَّ يخرج ملك من صنعاء اليمن، أبيض كالقطن [في المصدر: (كالشطن) بدل (كالقطن)] اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركاً زكياً، وهادياً مهديّاً، وسيّداً علويّاً فيفرّج الناس إذا أتاهم بمنّ الله الذي هداهم، فيكشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحقّ بعد الخفاء، ويفرّق الأموال في الناس بالسواء، ويغمّه [في المصدر: (ويغمد)] السيف فلا يسفك الدماء، ويعيش الناس في البشر والهناء، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذاء، ويرد الحقّ على أهل القرى، ويكثر في الناس الضيافة والقرى، ويرفع بعدله الغواية والعمى، كأنَّه كان غبار فانجلى، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً والأيام حباء، وهو علم للساعة بلا امتراء (مشارق أنوار اليقين:١٣٠) .
(وَرَوَى ابْنُ عَيَّاشٍ فِي الْمُقْتَضَبِ عَن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن سُفْيَانَ الْبَزَوْفَريّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن الْبُوشَنْجَانِيّ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ أبِيهِ، عَن النُّوشَجَان بْن البودمردان، قَالَ: لَمَّا جَلاَ الْفُرْسُ عَن الْقَادِسِيَّةِ وَبَلَغَ يَزْدَجَرْدَ بْنَ شَهْريَارَ مَا كَانَ مِنْ رُسْتُمَ وَإِدَالَةِ الْعَرَبِ عَلَيْهِ وَظَنَّ أنَّ رُسْتُمَ قَدْ هَلَكَ وَالْفُرْسَ جَمِيعاً وَجَاءَ مُبَادِرٌ [في المصدر: (مناذر) بدل (مبادر)] وَأخْبَرَهُ بِيَوْم الْقَادِسِيَّةِ وَانْجِلاَئِهَا عَنْ خَمْسِينَ ألْفَ قَتِيلٍ خَرَجَ يَزْدَجَرْدُ هَارباً فِي أهْل بَيْتِهِ وَوَقَفَ بِبَابِ الإيوَان وَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أيُّهَا الإيوَانُ هَا أنَا ذَا مُنْصَرفٌ عَنْكَ وَرَاجِعٌ إِلَيْكَ أنَا أوْ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي لَمْ يَدْنُ زَمَانُهُ وَلاَ آنَ أوَانُهُ.
قَالَ سُلَيْمَانُ الدَّيْلَمِيُّ: فَدَخَلْتُ عَلَى أبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام فَسَألْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقُلْتُ لَهُ: مَا قَوْلُهُ: (أوْ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي)؟ فَقَالَ: (ذَلِكَ صَاحِبكُمُ الْقَائِمُ بِأمْر اللهِ عزّ وجل السَّادِسُ مِنْ وُلْدِي قَدْ وَلَدَهُ يَزْدَجَرْدُ فَهُوَ وَلَدُهُ) [(مقتضب الأثر: ٤٠و ٤١)] .
ومنه، عن عبد الله بن القاسم البلخي، عن أبي سلام الكجي (عن) عبد الله بن مسلم [في المصدر: (عن أبي مسلم الكجي: عبد الله بن مسلم]) ، عن عبد الله بن عمير، عن هرمز بن حوران، عن فراس، عن الشعبي قال: إنَّ عبد الملك بن مروان دعاني فقال: يا أبا عمرو إنَّ موسى بن نصر [في المصدر: (نصير) بدل (نصر)وكذا في ما بعد] العبدي كتب إليَّ _ وكان عامله على المغرب _ يقول: بلغني أنَّ مدينة من صفر كان ابتناها نبي الله سليمان بن داود، أمر الجن أن يبنوها له فاجتمعت العفاريت من الجن على بنائها وأنَّها من عين القطر التي ألانها الله لسليمان بن داود، وأنَّها في مفازة الأندلس، وأنَّ فيها من الكنوز التي استودعها سليمان وقد أردت أن أتعاطى الارتحال إليها فأعلمني الغلام بهذا الطريق أنَّه صعب لا يتمطّى إلاَّ بالاستعداد من الظهور والازواد الكثيرة مع بقاء بعد المسافة وصعوبتها، وأنَّ أحداً لم يهتم بها إلاَّ قصر عن بلوغها إلاَّ دارا بن دارا، فلمّا قتله الإسكندر قال: والله لقد جئت الأرض والأقاليم كلّها ودان لي أهلها، وما أرض إلاَّ وقد وطئتها إلاَّ هذه الأرض من الأندلس، فقد أدركها دارا بن دارا، وإنّي لجدير بقصدها كي لا أقصر عن غاية بلغها دارا.
فتجهَّز الإسكندر واستعدّ للخروج عاماً كاملاً فلمَّا ظنَّ أنَّه قد استعدّ لذلك، وقد كان بعث روّاده فأعلموا أنَّ موانعاً دونها.
فكتب عبد الملك إلى موسى بن نصر يأمره بالاستعداد والاستخلاف على عمله فاستعدّ وخرج فرآها وذكر أحوالها فلمَّا رجع كتب إلى عبد الملك بحالها، وقال في آخر الكتاب: فلمَّا مضت الأيام وفنيت الازواد، سرنا نحو بحيرة ذات شجر وسرت مع سور المدينة فصرت إلى مكان من السور فيه كتاب بالعربية فوقفت على قراءته وأمرت بانتساخه فإذا هو شعر:
ليعلم المرء ذو العز المنيع ومن يرجو الخلود وما حي بمخلودِ لو أنَّ خلقاً ينال الخلد في مهل لنال ذاك سليمان بن داودِ سالت له القطر عين القطر فائضة بالقطر سنة عطاء غير مصدودِ فقال للجن ابنوا لي به أثرا يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يودي فصيّروه صفاحاً ثُمَّ هيل له إلى السماء بإحكام وتجويدِ وأفرغ القطر فوق السور منصلتا فصار أصلب من صماء صيخودِ [(الصيخود: الصخره الشديده)، (الصحاح ٤٩٥:٢)] وثب فيه كنوز الأرض قاطبة وسوف يظهر يوماً غير محدودِ وصار في قعر بطن الأرض مضطجعا مصمداً بطوابيق الجلاميدِ [(الجلمود: الصخره)، (الصحاح ٤٥٩:٢)]لم يبقَ من بعده للملك سابقة حتَّى تضمن رمساً غير اخدودِ هذا ليعلم أنَّ الملك منقطع إلاَّ من الله ذي النعماء والجودِ حتّى إذا ولدت عدنان صاحبها من هاشم كان منها خير مولودِ وخصَّه الله بالآيات منبعثا إلى الخليقة منها البيض والسودِ له مقاليد أهل الأرض قاطبة والأوصياء له أهل المقاليدِ هم الخلائف اثنا شعرة حججا من بعدها [في المصدر: (بعده)] الأوصياء السادة الصيدِ حتَّى يقوم بأمر الله قائمهم من السماء إذا ما باسمه نودي
فلمَّا قرأ عبد الملك الكتاب وأخبره طالب بن مدرك وكان رسوله إليه بما عاين من ذلك، وعنده محمّد بن شهاب الزهري قال: ما ترى في هذا الأمر العجيب؟
فقال الزهري: أرى وأظنّ أنَّ جنّاً كانوا موكّلين بما في تلك المدينة حفظة لها يخيّلون إلى من كان صعدها، قال عبد الملك: فهل علمت من أمر المنادي من السماء شيئاً؟ قال: إله عن هذا يا أمير المؤمنين، قال عبد الملك: كيف ألهو عن ذلك وهو أكبر أوطاري لتقولنَّ بأشدَ ما عندك في ذلك، ساءني أم سرَّني.
فقال الزهري: أخبرني علي بن الحسين عليهما السلام أنَّ هذا المهدي من ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، فقال عبد الملك: كذبتما لا تزالان تدحضان في بولكما وتكذبان في قولكما، ذلك رجل منّا. قال الزهري أمَّا أنا فرويته لك عن علي ابن الحسين عليهما السلام فإن شئت فاسأله عن ذلك ولا لوم عليَّ فيما قلته لك ((وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذي يَعِدُكُمْ)) (غافر: ٢٨) ، فقال عبد الملك: لا حاجة لي إلى سؤال بني أبِي تراب فخفض عليك يا زهري بعض هذا القول فلا يسمعه منك أحد. قال الزهري: لك عليَّ ذلك [(مقتضب الأثر: ٤٣- ٤٥)] .
بيان: (لا يودي): أي لا يهلك. وقال الجوهري: كلّ شيء أرسلته إرسالاً من رمل أو تراب أو طعام أو نحوه، قلت: (هلته أهيله هيلاً فانهال) أي جرى وانصب (الصحاح ١٨٥٥:٣) ، وقال: (صلت ما في القدح) أي صببته (الصحاح ٢٥٦:١) ، وقال: (صخرة صيخود) أي شديدة (الصحاح ٤٩٥:٢) .
قوله: (مصمداً) بالصاد المهملة أو بالضاد المعجمة.
قال الجوهري: المصمد لغة في المصمت وهو الذي لا جوف له (الصحاح ٤٩٨:٢) وقال: صمد فلان رأسه تصميداً أي شدَّه بعصابة أو ثوب ما خلا العمامة (الصحاح ٥١٠:٢) ، وقال: (الطابق): الآجر الكبير، فارسي معرَّب (الصحاح ١٥١٣:٣) ، و (الجلاميد) جمع الجلمود بالضم هو الصخر. و (الرمس) بالفتح القبر أو ترابه، و (الأخدود) بالضمّ شقّ في الأرض مستطيل، و (الصيد) جمع الأصيد الملك، والرجل الذي يرفع رأسه كبراً).
* * *
.
روى البرسي في (مشارق الأنوار) عن كعب بن الحارث قال: إنَّ ذا جدن [في المصدر: (يزن) بدل (جدن)] الملك أرسل إلى السطيح لأمر شكّ فيه فلمَّا قدم عليه أراد أن يجرَب علمه قبل حكمه فخبَّأ له ديناراً تحت قدمه ثُمَّ أذن له فدخل فقال له الملك: ما خبَّأت لك يا سطيح؟ فقال سطيح: حلفت بالبيت والحرم، والحجر الأصمّ، والليل إذا أظلم، والصبح إذا تبسَّم، وبكل فصيح وأبكم، لقد خبَّأت لي ديناراً بين النعل والقدم، فقال الملك: من أين علمك هذا يا سطيح!؟ فقال: من قبل أخ لي حتَّى ينزل معي أنّى نزلت.
فقال الملك: أخبرني عمَّا يكون في الدهور، فقال سطيح: إذا غارت الأخيار وقادت [في المصدر: (وعزت) بدل (وقادت)] الأشرار، وكذّب بالأقدار، وحمل المال بالأوقار، وخشعت الأبصار لحامل الأوزار، وقطعت الأرحام، وظهرت الطغام، المستحلّي الحرام، في حرمة الإسلام، واختلفت الكلمة، وخفرت الذمّة، وقلَّت الحرمة، وذلك عند طلوع الكوكب الذي يفزع العرب، وله شبيه الذنب، فهناك تنقطع الأمطار، وتجفّ الأنهار، وتختلف الأعصار، وتغلو الأسعار، في جميع الأقطار.
ثُمَّ تقبل البربر بالرايات الصفر، على البراذين السبر [في المصدر: (ثمّ تقبل البرر (الهزبرخ) بالرايات الصفر على البراذين البتر)] ، حتَّى ينزلوا مصر فيخرج رجل من ولد صخر، فيبدلّ الرايات السود بالحمر، فيبيح المحرّمات، ويترك النساء بالثدايا معلقات، وهو صاحب نهب الكوفة، فربّ بيضاء الساق مكشوفة على الطريق مردوفة، بها الخيل محفوفة، قتل زوجها، وكثر عجزها، واستحلّ فرجها فعندها يظهر ابن النبيّ المهدي، وذلك إذا قتل المظلوم بيثرب، وابن عمّه في الحرم، وظهر الخفي فوافق الوشمي [في المصدر: (الوسمي)] فعند ذلك يقبل المشوم بجمعه الظلوم فتظاهر الروم، بقتل القروم [في المصدر: (فيطاهي الروم، ويقتل القروم)] ، فعندها ينكسف كسوف، إذا جاء الزحوف، وصفّ الصفوف.
ثُمَّ يخرج ملك من صنعاء اليمن، أبيض كالقطن [في المصدر: (كالشطن) بدل (كالقطن)] اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركاً زكياً، وهادياً مهديّاً، وسيّداً علويّاً فيفرّج الناس إذا أتاهم بمنّ الله الذي هداهم، فيكشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحقّ بعد الخفاء، ويفرّق الأموال في الناس بالسواء، ويغمّه [في المصدر: (ويغمد)] السيف فلا يسفك الدماء، ويعيش الناس في البشر والهناء، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذاء، ويرد الحقّ على أهل القرى، ويكثر في الناس الضيافة والقرى، ويرفع بعدله الغواية والعمى، كأنَّه كان غبار فانجلى، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً والأيام حباء، وهو علم للساعة بلا امتراء (مشارق أنوار اليقين:١٣٠) .
(وَرَوَى ابْنُ عَيَّاشٍ فِي الْمُقْتَضَبِ عَن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن سُفْيَانَ الْبَزَوْفَريّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن الْبُوشَنْجَانِيّ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ أبِيهِ، عَن النُّوشَجَان بْن البودمردان، قَالَ: لَمَّا جَلاَ الْفُرْسُ عَن الْقَادِسِيَّةِ وَبَلَغَ يَزْدَجَرْدَ بْنَ شَهْريَارَ مَا كَانَ مِنْ رُسْتُمَ وَإِدَالَةِ الْعَرَبِ عَلَيْهِ وَظَنَّ أنَّ رُسْتُمَ قَدْ هَلَكَ وَالْفُرْسَ جَمِيعاً وَجَاءَ مُبَادِرٌ [في المصدر: (مناذر) بدل (مبادر)] وَأخْبَرَهُ بِيَوْم الْقَادِسِيَّةِ وَانْجِلاَئِهَا عَنْ خَمْسِينَ ألْفَ قَتِيلٍ خَرَجَ يَزْدَجَرْدُ هَارباً فِي أهْل بَيْتِهِ وَوَقَفَ بِبَابِ الإيوَان وَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أيُّهَا الإيوَانُ هَا أنَا ذَا مُنْصَرفٌ عَنْكَ وَرَاجِعٌ إِلَيْكَ أنَا أوْ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي لَمْ يَدْنُ زَمَانُهُ وَلاَ آنَ أوَانُهُ.
قَالَ سُلَيْمَانُ الدَّيْلَمِيُّ: فَدَخَلْتُ عَلَى أبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام فَسَألْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقُلْتُ لَهُ: مَا قَوْلُهُ: (أوْ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي)؟ فَقَالَ: (ذَلِكَ صَاحِبكُمُ الْقَائِمُ بِأمْر اللهِ عزّ وجل السَّادِسُ مِنْ وُلْدِي قَدْ وَلَدَهُ يَزْدَجَرْدُ فَهُوَ وَلَدُهُ) [(مقتضب الأثر: ٤٠و ٤١)] .
ومنه، عن عبد الله بن القاسم البلخي، عن أبي سلام الكجي (عن) عبد الله بن مسلم [في المصدر: (عن أبي مسلم الكجي: عبد الله بن مسلم]) ، عن عبد الله بن عمير، عن هرمز بن حوران، عن فراس، عن الشعبي قال: إنَّ عبد الملك بن مروان دعاني فقال: يا أبا عمرو إنَّ موسى بن نصر [في المصدر: (نصير) بدل (نصر)وكذا في ما بعد] العبدي كتب إليَّ _ وكان عامله على المغرب _ يقول: بلغني أنَّ مدينة من صفر كان ابتناها نبي الله سليمان بن داود، أمر الجن أن يبنوها له فاجتمعت العفاريت من الجن على بنائها وأنَّها من عين القطر التي ألانها الله لسليمان بن داود، وأنَّها في مفازة الأندلس، وأنَّ فيها من الكنوز التي استودعها سليمان وقد أردت أن أتعاطى الارتحال إليها فأعلمني الغلام بهذا الطريق أنَّه صعب لا يتمطّى إلاَّ بالاستعداد من الظهور والازواد الكثيرة مع بقاء بعد المسافة وصعوبتها، وأنَّ أحداً لم يهتم بها إلاَّ قصر عن بلوغها إلاَّ دارا بن دارا، فلمّا قتله الإسكندر قال: والله لقد جئت الأرض والأقاليم كلّها ودان لي أهلها، وما أرض إلاَّ وقد وطئتها إلاَّ هذه الأرض من الأندلس، فقد أدركها دارا بن دارا، وإنّي لجدير بقصدها كي لا أقصر عن غاية بلغها دارا.
فتجهَّز الإسكندر واستعدّ للخروج عاماً كاملاً فلمَّا ظنَّ أنَّه قد استعدّ لذلك، وقد كان بعث روّاده فأعلموا أنَّ موانعاً دونها.
فكتب عبد الملك إلى موسى بن نصر يأمره بالاستعداد والاستخلاف على عمله فاستعدّ وخرج فرآها وذكر أحوالها فلمَّا رجع كتب إلى عبد الملك بحالها، وقال في آخر الكتاب: فلمَّا مضت الأيام وفنيت الازواد، سرنا نحو بحيرة ذات شجر وسرت مع سور المدينة فصرت إلى مكان من السور فيه كتاب بالعربية فوقفت على قراءته وأمرت بانتساخه فإذا هو شعر:
ليعلم المرء ذو العز المنيع ومن يرجو الخلود وما حي بمخلودِ لو أنَّ خلقاً ينال الخلد في مهل لنال ذاك سليمان بن داودِ سالت له القطر عين القطر فائضة بالقطر سنة عطاء غير مصدودِ فقال للجن ابنوا لي به أثرا يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يودي فصيّروه صفاحاً ثُمَّ هيل له إلى السماء بإحكام وتجويدِ وأفرغ القطر فوق السور منصلتا فصار أصلب من صماء صيخودِ [(الصيخود: الصخره الشديده)، (الصحاح ٤٩٥:٢)] وثب فيه كنوز الأرض قاطبة وسوف يظهر يوماً غير محدودِ وصار في قعر بطن الأرض مضطجعا مصمداً بطوابيق الجلاميدِ [(الجلمود: الصخره)، (الصحاح ٤٥٩:٢)]لم يبقَ من بعده للملك سابقة حتَّى تضمن رمساً غير اخدودِ هذا ليعلم أنَّ الملك منقطع إلاَّ من الله ذي النعماء والجودِ حتّى إذا ولدت عدنان صاحبها من هاشم كان منها خير مولودِ وخصَّه الله بالآيات منبعثا إلى الخليقة منها البيض والسودِ له مقاليد أهل الأرض قاطبة والأوصياء له أهل المقاليدِ هم الخلائف اثنا شعرة حججا من بعدها [في المصدر: (بعده)] الأوصياء السادة الصيدِ حتَّى يقوم بأمر الله قائمهم من السماء إذا ما باسمه نودي
فلمَّا قرأ عبد الملك الكتاب وأخبره طالب بن مدرك وكان رسوله إليه بما عاين من ذلك، وعنده محمّد بن شهاب الزهري قال: ما ترى في هذا الأمر العجيب؟
فقال الزهري: أرى وأظنّ أنَّ جنّاً كانوا موكّلين بما في تلك المدينة حفظة لها يخيّلون إلى من كان صعدها، قال عبد الملك: فهل علمت من أمر المنادي من السماء شيئاً؟ قال: إله عن هذا يا أمير المؤمنين، قال عبد الملك: كيف ألهو عن ذلك وهو أكبر أوطاري لتقولنَّ بأشدَ ما عندك في ذلك، ساءني أم سرَّني.
فقال الزهري: أخبرني علي بن الحسين عليهما السلام أنَّ هذا المهدي من ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، فقال عبد الملك: كذبتما لا تزالان تدحضان في بولكما وتكذبان في قولكما، ذلك رجل منّا. قال الزهري أمَّا أنا فرويته لك عن علي ابن الحسين عليهما السلام فإن شئت فاسأله عن ذلك ولا لوم عليَّ فيما قلته لك ((وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذي يَعِدُكُمْ)) (غافر: ٢٨) ، فقال عبد الملك: لا حاجة لي إلى سؤال بني أبِي تراب فخفض عليك يا زهري بعض هذا القول فلا يسمعه منك أحد. قال الزهري: لك عليَّ ذلك [(مقتضب الأثر: ٤٣- ٤٥)] .
بيان: (لا يودي): أي لا يهلك. وقال الجوهري: كلّ شيء أرسلته إرسالاً من رمل أو تراب أو طعام أو نحوه، قلت: (هلته أهيله هيلاً فانهال) أي جرى وانصب (الصحاح ١٨٥٥:٣) ، وقال: (صلت ما في القدح) أي صببته (الصحاح ٢٥٦:١) ، وقال: (صخرة صيخود) أي شديدة (الصحاح ٤٩٥:٢) .
قوله: (مصمداً) بالصاد المهملة أو بالضاد المعجمة.
قال الجوهري: المصمد لغة في المصمت وهو الذي لا جوف له (الصحاح ٤٩٨:٢) وقال: صمد فلان رأسه تصميداً أي شدَّه بعصابة أو ثوب ما خلا العمامة (الصحاح ٥١٠:٢) ، وقال: (الطابق): الآجر الكبير، فارسي معرَّب (الصحاح ١٥١٣:٣) ، و (الجلاميد) جمع الجلمود بالضم هو الصخر. و (الرمس) بالفتح القبر أو ترابه، و (الأخدود) بالضمّ شقّ في الأرض مستطيل، و (الصيد) جمع الأصيد الملك، والرجل الذي يرفع رأسه كبراً).
* * *

تعليقات
إرسال تعليق
أضف تعليقاً