الإعداد الروحي لعصر الظهور .

آثار الشعور بالعبودية:
دعنا ندخل إلى آثار هذا الشعور (الشعور بالعبودية):
الشعور بالعبودية يخرج الإنسان من أوصاف الرذيلة التي يتلبّس بها الطواغيت، الإنسان مغرور متكبر (كَلاَّ إِنَّ الإْنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (العلق:  ٦ و ٧) الرواية تقول: (ثلاث لو لا أن يبتلى بها الإنسان لا دعى ما ادعى وإنه معهنّ لوثاب: ١ _ الموت ٢ _ الفقر ٣ _ المرض). [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لولا ثلاث في ابن آدم ما طأطأ رأسه لشيء: المرض، والموت، والفقر، كلّهنّ فيه وإنه معهنّ لثواب). أنظر: الدعوات/ الراوندي: ١٧١/ ح ٤٧٩؛ عنه بحار الأنوار/ المجلسي ٥٢:٦٩] هذه ثلاثة أشياء الله أرغم بها أنف الإنسان، لكن مع ذلك هو وثّاب، الوثاب يعني ماذا؟ يعني يتطاول إلى ما هو أكثر من حده، ويتوقع أكبر من حجمه، فرعون كان يمرض ومع ذلك كان يقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الأْعْلى) (النازعات: ٢٤) المشكلة في ادعاءه أنه (الأعلى) حيث كانت عندهم أرباب مختلفة يزعمونها، فلم يقل أنا رب الأرزاق، أنا رب القوة، رب الجيوش، لا بل قال: أنا ربكم الأعلى، هكذا بلغ به الغرور، مع أنه كان ضئيل الجسم، وكان يعلم بأنه يموت كما يموت الغير، إذاً ما هو دواء الإنسان؟ ما هو دواء هذه الصفات الرذيلة التي تخرج الإنسان عن حده وتجعله مبغوضاً لله عز وجل بعيداً من رحمته مطروداً من عطائه؟ الدواء هو العبودية، العبودية هي الصفة التي إذا وفّرها الإنسان في نفسه فقد وضع يده على سر الأسرار، أحد الأشخاص (وهو عنوان البصري)
قصد المدينة وأراد أن يتشرّف بخدمة الإمام الصادق عليه السلام، ويأخذ عنه العلم، فرفضه الإمام عليه السلام، فاغتم لذلك وخرج من عنده ودخل مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فصلى ركعتين واستجار برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: اللهم بحقّ رسولك أعطف قلب جعفر بن محمّد بن عليّ، حتّى يفتح بابه ويعطيني من علمه، بعد هذا الدعاء استقبله الإمام وبدأ عليه السلام يعطيه شيئاً من الإرشادات لطلب العلم، الرواية جميلة جداً أنصح الأخوة والأخوات بقراءتها وهي موجودة في كتاب أصول الكافي باب فضل العلم، من ضمن ما يرشد إليه الإمام (عنوان البصري) يقول له: (واطلب في نفسك حقيقة العبودية). [(أنظر نص الروايه في: مشكاة الأنوار/ الطبرسي: ٥٦٢؛ بحار الأنوار/ المجلسي٢٢٤:١/ ح ١٧)]
هذه الجوهرة التي يجب أن نبحث عنها وأن نصرف أوقاتنا وحياتنا بحثاً عنها، جوهرة العبودية هذه إذا استطاع الإنسان أن يكتشفها وينميها وتكون هي محور حياته يكون قد دخل في عباد الله الصالحين (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل: ١٩) الله يدخل برحمته اُناساً في عباده الصالحين، أولئك الذين يستشعرون العبودية الحقّة.
العبودية الحقة أمر واضح، قد نسأل: أنا أعلم أني عبد الله، كلنا يعلم بذلك، لا أحد يدّعي أنه هو الخالق، ولا أحد يدّعي أنه هو الشريك لله، ولا أحد من المسلمين يدّعي أنه مخلوق لغير الله، كلّنا نسلّم أننا عبيد مربوبون مخلوقون لله تبارك وتعالى، إذاً ما الذي نريده ونطلبه من حقيقة العبودية أكثر من ذلك؟
المسألة ليست مسألة أن نعرف أننا مخلوقون مربوبون، وأن نقول ذلك، المسألة مسألة أن نعيش ذلك لحظة بلحظة، أن نعيش العبودية لحظة بلحظة، أن نعيش حالة الحاجة والافتقار إلى الله، حينما أخرج إلى عملي صباحاً وأتعرض لمشكلة أوّل ما أفزع إلى من؟ هل أفزع إلى الله تعالى؟ أم إلى غيره؟ هذا هو المقياس.
لاحظوا حينما يقع الإنسان في ضيق أو في مشكلة إلى أين يفزع قلبه؟ أوّل جهة يتعلق بها القلب ما هي؟ أنه يعبدها، إذا كان قد فزع إلى الله فهو عبد الله، وإذا فزع إلى فلان وفلان بأن يقول: أنا عندي فلان القوي، أو فلان عشيرة، أوعناوين مختلفة وجهات قوة، ففي الواقع المعبود هو تلك الجهات. الإنسان حينما يتضايق مادياً أو تضغطه مشاكل الحياة هل يلجأ إلى غير الله؟ طبعاً ليس هناك مانع، ولا نقول أن اللجوء إلى غير الله كفر أو شرك أبداً، لكن نقول القلب بمن يتعلق، فلا مانع من أن يستعين الإنسان بشخص، (الناس بالناس) لا أحد يقدر أن يستغني عن الناس، لذلك روي أن شخصاً عند الإمام زين العابدين عليه السلام، قال بحضرته: اللهم أغنني عن خلقك، الإمام يصحح له يقول له: لا تقدر هذا أمر غير ممكن، أنت سألت الله عز وجل أمراً غير ممكن، ما دمت إنساناً مخلوقاً لا بدّ أن تحتاج إلى الخلق، (إنما قل اللهم أغنني عن شرار خلقك). [(أنظر نص الروايه في: تحف العقول/ الن شعبه: ٢٧٨؛ بحار الأنوار/ المجلسي ١٣٥:٧٥)]
فليُنظر إلى الناس كأسباب، ويُنظر إلى الله عز وجل كعلّة أولى وأساسية وأخيرة، الله إذا أراد شيئاً جرى ذلك الشيء وإذا لم يرد لا يجري، هذه هي العبودية التي نبحث عنها، العبودية التي في مقام العمل، حينما تُمتحن بأنواع الامتحانات في الحياة، إلى أين تفزع قلوبنا وإلى أين تلجأ، هذا هو الكلام.
العبودية الحقّة هي التي تجعل الإنسان يستغني بالله عن كل شيء. فتجد المؤمن العبد الحقّ نادراً ما يسأل الناس وبقدر الضرورة والحاجة الملحة فقط.
العبودية هي التي تتحقق من الإنسان إذا واجه تكليفاً صعباً، لا يناقش ويقول: هذا الحكم الشرعي ليس له معنى، وهذا ليس له محل، وإن كان تشريعاً إسلامياً لكننا لدينا قراءة مختلفة والزمن اختلف، الموسيقى لماذا حرام؟ وأن الموسيقى الآن جزء من الثقافة وأصبحت جزءاً من الفنون، إلى آخره من هذه الطرق الملتوية. العبد الحقيقي هو ذلك الإنسان الذي يسلم لأوامر الله ولا يناقش فيها ولا يحاول أن يتهرب منها بأعذار مختلفة، أما الذي يناقش في هذه المسائل فليس بعبد، لأنه جعل نفسه شريكاً مع الله، وهذا يخرجه من حالة العبودية، إذاً العبودية مواقف وليست أقوال، العبودية معاني في القلب وليست قشوراً. العبودية هي التي جعلت إبراهيم عليه السلام _ أبو الأنبياء وأبونا _ يقف ذلك الموقف العظيم حينما كان في الهواء وقد رُميَ بالمنجنيق وما بينه وبين أن يقع في النار الملتهبة المحرقة إلاّ ثوان قليلة جداً، يأتيه جبرائيل، الله يقول لجبرائيل أدرك خليلي إبراهيم، فيأتيه وهو في الهواء، قال: هل من حاجة؟ قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم، قال: فاسأل ربك، قال: علمه بحالي يغني عن سؤالي. [(أنظر: علل الشرائع ٢٦:١/ ٦؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٦٠:١؛ خصال: ٣٣٥/ ٣٦؛ أمالي الصدوق:٥٤٢/ ٥٧٦ - ٥)]
هذا الحد من العبودية، هذه الدرجة من التوحيد إنما نشأت من ذلّ إبراهيم بين يدي ربه، وعبودية إبراهيم، هذه العبودية التي بلغت ذراها وأقصاها حتّى استحق إبراهيم بذلك أن يقول الله عز وجل للنار: (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (الأنبياء: ٦٩) يقع إبراهيم في النار ويقينه لا يختلف، يسقط في النار ويقينه لا ينتهي بالله تعالى، يجد نفسه في وسط النار ويقينه قائم لا يقلّ ولا يضعف، وإذا بالنار لا تحرقه.
هذا هو الذي نطلبه، العبودية التي أكّد عليها أهل البيت عليهم السلام هي تلك الحالة والشعور من العبد ازاء ربه بنفي أيّ قيمة للعبد ازاء الله تعالى (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ). (يونس: ٤٩)
قل _ الله يلقن العبد ويلقن البشر عن طريق نبيّه _ هذه المقالة واشعر بها عشها في كل لحظاتك، لا أكون لحظة متكبراً، ولحظة أخرى أصير عبداً، حينما أقف بين يدي الله تعالى أصلّي وأتواضع وتخشع جوارحي، وحينما أولّي عن الصلاة وألتفت إلى معيشتي وإلى عملي وإلى أيّ مجال من مجال الحياة أستكبر، وأرجع وأنا ذلك المتكبّر الذي يناقش في الأحكام الشرعية أو يحاول التخلص منها.
في كل لحظة من حياتنا إذا لم يكن الله عز وجل ممسكاً بأيدينا ومقوّماً لوجودنا لسقطنا مباشرة، الطفل الصغير هذا الذي يأتي إلى الدنيا ولا يستطيع أن يمشي إلا أن يمسك الكبير بيده، الكبير إذا أراد من الطفل أن يقع فليس هناك حاجة بأن يدفع الطفل ليسقط، يكفي فقط أن يسحب يده عنه، فإذا سحب يده فالطفل سيقع تلقائياً لأنه هو بنفسه غير قادر على المشي، الإنسان هكذا، علينا أن نستذكر هذا المثل دائماً، نعيش هذه الحالة أبداً، إن الله تعالى إذا أراد أن يسحب منّا التوفيق فقط ويرفع يده عنا، ويكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ما الذي يحصل بنا؟
لا يحتاج السقوط إلى أن يرمي بنا أو يسقطنا، هو فقط يرفع يده وإذا بنا ننهار، لأننا بوجودنا وبكل قدراتنا مرتبطون بهذا المطلق، مرتبطون بتلك القدرة الفاعلة، فإذا رُفع هذا اللّطف عنا سنجد أنفسنا بلا ظهر وبلا سند، بلا قوة، بلا أيّ مقوّم في هذه الحياة، سنسقط.
فما هي قيمتي إذا صار عندي أموال، أو إذا أصبحت فلاناً بن فلان، أو أصبحت رئيساً ووجيهاً.
فرعون أمهله الله أربعين سنة، ثمّ رفع عنه يده في لحظة واحدة وهي لحظة الغرق، انتهى فرعون ومن معه، ما قيمة فرعون في تلك اللحظة؟ وما قيمة جيوش فرعون وسطوة فرعون والناس التي كانت تخاف منه والدولة المرتبطة به؟ دولة فرعون من أعظم دول التاريخ. سقطت في لحظة واحدة.
إذاً الإنسان العبد لله تعالى عليه أن يعيش دائماً حالة الضعف المستمر أمام الله عز وجل، يكون دائماً في خوف من الله بأن يرفع يده تعالى عنه، متعلق دائماً به وبرحمته. كلّما تعرض لمشكلة فقلبه وعينه وجوارحه متجهة إليه، وكلّما تعرض لبلاء يده ترفع إليه، قلبه لا يذهب إلى غيره، لماذا؟ لأن القلب هو الفطرة كما ذكرنا.
هذا القلب، هذا المكان المقدس الطاهر لا ينبغي أن يرتبط بغير خالقه، فإذا ارتبط بغير خالقه، وأصبح غير الخالق هو المفزع صار القلب ملوّثاً وأصبح مشركاً، لذلك فإن الشرك على أنواع: هناك شرك يستحق به الإنسان القتل، يعني يكون الإنسان نجساً إذا صرّح الإنسان بأنه يعبد الأصنام مثلاً. وهناك نوع آخر وهو أن يفزع الإنسان إلى البشر في مشاكله وهمومه.
وهذا نوع من الحماقة من الإنسان، الإنسان الذي يعلم أنه فقير وأنه لا يدركه إلا الله يأتي يتشبث بفقير مثله أو أسوأ منه، هذا شيء غريب، الإنسان عادة إذا أراد أن يحل مشكلة يذهب إلى القوي، وإذا أراد أن يسد فقراً يذهب إلى الغني، أما أن يأتي فقيراً مثله أو أضعف منه، فهذه حماقة وعلينا أن نخرج أنفسنا من هذه الدائرة، وننظر دائماً إلى القوي العزيز الذي يستحق اللجوء إليه.
إذاً يجب على الإنسان أن يكون عبداً داخراً إلى الله، والداخر هو الذليل الذي لا يشعر بقيمة نفسه أمام ربه. ولكم أن تقرءوا الأحاديث والروايات والأدعية، هذا دعاء (أبي حمزة الثمالي العظيم) لا يفوتكم هذا الدعاء، إن لم تقدروا على قراءته كاملاً فقسطوه في كل ليلة أقراوا مقداراً منه، ففيه من الدروس والارشادات، والروح العالية ما لا يستغني عنه المؤمن، نحن لو لا بركات أهل البيت عليهم السلام في أدعيتهم ما علمنا ولا عرفنا كيف نخاطب وندعو ربنا في ليالي رمضان وغيره من الأيام.
*     *     *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رقعة لقضاء الحاجة

دعاؤه عليه السلام في الصلوات على النبي وآله (عليهم السلام) .

دعاؤه عليه السلام في الشدائد والمهمات المسمى بدعاء العلوي المصري.