في كون انقطاع النائب الخاص للإمام عليه السلام عقيدة من ضروريات مذهب الإمامية الإثني عشرية


الأمر السادس: نبذة من أحوال النواب الأربعة في الغيبة الصغرى

قال الصدوق: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس سره مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري، فقام إليه رجل فقال له: إنّي اُريد أن أسألك عن شيء؟ فقال له: سل عمّا بدا لك. فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي عليهما السلام أهو ولي الله؟ قال: نعم.
قال: أخبرني عن قاتله أهو عدو الله؟ قال: نعم، قال الرجل: فهل يجوز أن يسلّط الله عز وجل عدوّه على وليّه؟ فقال له أبو القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه): افهم عنّي ما أقول لك، اعلم أن الله عز وجل لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ولا يشافههم بالكلام، ولكنه جل جلاله يبعث إليهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم، ولو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم، فلمّا جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق قالوا لهم: أنتم بشر مثلنا ولا نقبل منكم حتّى تأتوننا بشيء نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه، فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها.
فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والأعذار، فغرق جميع من طغى وتمرّد.
ومنهم من ألقي في النار فكانت برداً وسلاماً.
ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى من ضرعها لبناً.
ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون.
ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.
ومنهم من انشق له القمر، وكلّمته البهائم مثل البعير والذئب، وغير ذلك.
فلمّا أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق عن أمرهم، وعن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله عز وجل ولطفه وحكمته أن جعل أنبياءه عليهم السلام مع هذه القدرة والمعجزة في حالة غالبين وأخرى مغلوبين وفي حال قاهرين وفي أخرى مقهورين، ولو جعلهم الله عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار.
ولكنه عز وجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم، ليكونوا في حال المحنة والبلاء صابرين، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين.
وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبّرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله، وتكون حجة الله ثابتة على من تجاوز الحدّ فيهم وادّعى لهم الربوبية، أو عاند أو خالف وعصى وجحد بما أتت به الرسل والأنبياء عليهم السلام، ((لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)) (الأنفال: ٤٢) .
قال محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، فعدّت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح قدس سره من الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟ فابتدأني فقال لي: يا محمّد بن إبراهيم لإن أخّر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله عز وجل برأيي أو من عند نفسي، بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجة صلوات الله عليه وسلامه (كمال الدين:٥٠٧/ باب ٤٥/ ح٣٧) .
قال الشيخ الطوسي: أخبرني الحسين بن عبيد الله (أستاذه)، عن أبي الحسن محمّد بن داود القمي، قال: حدّثني سلامة بن محمّد قال: أنفذ الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه كتاب التأديب إلى قم وكتب إلى جماعة الفقهاء بها، وقال لهم: اُنظروا في هذا الكتاب واُنظروا فيه شيء يخالفكم؟ فكتبوا إليه أنه كلّه صحيح وما فيه شيء يخالف إلاّ قوله: الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام والطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع (الغيبه ٢٤٠/ ح٣٥٧) .
وقال الشيخ الصدوق: أخبرنا محمّد بن علي بن متيل، قال: كانت امرأة يقال لها زينب من أهل (آبة) وكانت امرأة محمّد بن عبديل الأبي معها ثلاثمائة دينار، فصارت إلى عمّي جعفر بن محمّد بن متيل وقالت: أحبُّ أن اُسلّم هذا المال من يدي إلى يد أبي القاسم بن روح، قال: فأنفدني معها أترجم عنها، فلمّا دخلت على أبي القاسم رضي الله عنه أقبل يكلّمها بلسان آبي فصيح، فقال لها: (زينب! جونا، خوبذا، كوبذا، جون استه) (لسان آوجي محلي) . ومعناه كيف أنت؟ وكيف كنت؟ وما خبر صبيانك؟ قال: فاستغنت عن الترجمة وسلّمت المال ورجعت (كمال الدين:٥٠٧/ باب ٤٥/ ح٣٤) .
وقال الشيخ الطوسي: أخبرني الحسين بن إبراهيم، عن أيّوب بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمّد ابن بنت اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري (النائب الثاني في الغيبة الصغرى)، قال: حدّثتني اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنه، قالت: كان أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه وكيلاً لأبي جعفر رضي الله عنه سنين كثيرة ينظر له في أملاكه ويلقى بأسراره الرؤساء من الشيعة، وكان خصّيصاً به حتّى أنه كان يحدّثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه واُنسه.
قالت: وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين ديناراً رزقاً له، غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم لجاهه ولموضعه وجلالة محلّه عندهم، فحصل في أنفس الشيعة محصلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاص أبي إيّاه وتوثيقه عندهم ونشر فضله ودينه وما كان يحتمله من هذا الأمر، فمهّدت له الحال في طول حياة أبي إلى أن انتهت الوصية إليه بالنصّ عليه.
فلم يختلف في أمره ولم يشكّ فيه أحد إلاّ جاهل بأمر أبي أولاً، مع ما لست أعلم أن أحداً من الشيعة شكَّ فيه، وقد سمعت هذا من غير واحد من بني نوبخت رحمهم الله مثل أبي الحسن بن كبرياء وغيره (الغيبه ٢٢٧/ ح٣٤٣) .
وبنو النوبخت هو البيت الذي ينتمي إليه النائب الثالث في الغيبة الصغرى، وهو أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي (رضوان الله تعالى عليه)، وهذا البيت خرج منه العلماء في الفنون المختلفة سيّما علم الكلام، فقد تصدّر هذا البيت رئاسة هذا العلم في الشيعة سنين طويلة، وكذلك في علم النجوم والعلوم الأخرى.
وقال الطوسي: أخبرني جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن بابويه القمي (أخي الصدوق محمّد بن علي بن بابويه وكلا الأخوين ولدا بدعاء الإمام العسكري عليه السلام وأبوهما كان وكيلاً له)، قال: حدّثني جماعة من أهل قم منهم عمران الصفار، وقريبه علوية الصفار، والحسين بن أحمد بن علي بن أحمد بن إدريس رحمهم الله، قالوا: حضرنا بغداد في السنة التي توفي فيها أبو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه _ وكان أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدس سره _ (وهو النائب الرابع في الغيبة الصغرى) يسألنا كل قريب عن خبر علي بن الحسين رحمه الله، فنقول: قد ورد الكتاب باستقلاله، حتّى كان اليوم الذي قبض فيه فسألنا عنه، فذكرنا له مثل ذلك، فقال: آجركم الله في علي بن الحسين، فقد قبض في هذه الساعة، (قالوا): فأثبتنا تاريخ الساعة واليوم والشهر، فلمّا كان بعد سبعة عشر يوماً أو ثمانية عشر يوماً ورد الخبر أنه قبض في تلك الساعة التي ذكرها الشيخ أبو الحسن (السمري) قدس سره (الغيبه: ٣٩٥/ ح٣٦٦) .
ورواه أيضاً عن جماعة، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (الصدوق)، قال: حدّثنا أبو الحسن صالح بن شعيب الطالقاني رحمه الله في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، قال: حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلد، قال: حضرت بغداد عند المشايخ رحمهم الله (وجهاء وعلماء الطائفة) فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدس سره ابتداءً منه: رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القمي، (قال): فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم، ومضى أبو الحسن السمري رضي الله عنه في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة (الغيبه: ٣٩٤/ ح٣٦٤) .
وروى الصدوق بسنده عن أحمد الداودي قال: كنت عند أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه)، فسأله رجل ما معنى قول العبّاس للنبي صلى الله عليه وآله: (إن عمّك أبا طالب قد أسلم بحساب الجمل _ وعقد بيده ثلاثة وستين _)، فقال: عني بذلك إله أحد جواد. وتفسير ذلك أن الألف واحد، واللام ثلاثون، والهاء والألف واحد، والحاء ثمانية، والدال أربعة، والجيم ثلاثة، والواو ستة، والألف واحد، والدال أربعة، فذلك ثلاثة وستون (كمال الدين: ٥١٩/ باب ٤٥/ ح٤٨) .
وقال الصدوق: حدّثنا الحسين بن علي بن محمّد القمي المعروف بأبي علي البغدادي قال: كنت ببخارى فدفع إليَّ المعروف بابن جاوشبر عشرة سبائك ذهباً وأمرني أن اُسلّمها بمدينة السلام إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه) فحملتها معي، فلمّا بلغت آمويه (مدينه آمل في شمال أيران) ضاعت منّي سبيكة من تلك السبائك ولم أعلم بذلك حتّى دخلت مدينة السلام.
فأخرجت السبائك لاُسلّمها فوجدتها قد نقصت واحدة، فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها وأضفتها إلى التسع السبائك، ثمّ دخلت على الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه) ووضعت السبائك بين يديه.
فقال لي: خذ تلك السبيكة التي اشتريتها _ وأشار إليها بيده _ وقال: إن السبيكة التي ضيّعتها قد وصلت إلينا وهو ذا هي، ثمّ أخرج إليَّ تلك السبيكة التي كانت ضاعت منّي بآمويه فنظرت إليها فعرفتها.
قال الحسين بن علي بن محمّد المعروف بأبي البغدادي: ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا عليه السلام من هو؟ فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها، فدخلت عليه وأنا عنده، فقالت له: أيها الشيخ أيّ شيء معي؟ فقال: ما معك فألقيه في الدجلة، ثمّ ائتيني حتّى اُخبرك.
قال: فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في الدجلة، ثمّ رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي (قدس الله روحه)، فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليَّ الحُقّ، فأخرجت إليه حُقّه، فقال للمرأة: هذه الحُقّة التي كانت معك ورميت بها في الدجلة اُخبرك بما فيها أو تخبريني؟ فقالت له: بل أخبرني أنت، فقال: في هذه الحُقّة زوج سوار ذهب وحلقة كبيرة فيها جوهرة وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق، فكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئاً.
ثمّ فتح الحُقّة فعرض علي ما فيها، فنظرت إليه فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في الدجلة، فغشي عليَّ وعلى المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة، ثمّ قال الحسين لي بعدما حدّثني بهذا الحديث: أشهد عند الله عز وجل يوم القيامة بما حدّثت به أنه كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه، وحلف بالأئمّة الإثني عشر (صلوات الله عليهم) لقد صدق فيما حدّث به وما زاد فيه وما نقص منه (كمال الدين: ٥١٨/ باب ٤٥/ ح٤٧) .
وروى الشيخ الطوسي عن مشايخه، عن أبي الحسن علي بن محمّد الدلاّل القمي قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عثمان (النائب الثاني) رضي الله عنه يوماً لاُسلّم عليه، فوجدته وبين يديه ساجة ونقّاش ينقش عليها ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمّة عليهم السلام على حواشيها، فقلت له: يا سيدي، ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه اُوضع عليها (أو قال: اُسند إليها) وقد عرفت منه، وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءً من القرآن فيه فأصعد.
وأظنه (قال): فأخذ بيدي وأرانيه، فإذا كان يوم كذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا صرت إلى الله عز وجل ودفنت فيه وهذه الساجة معي، فلمّا خرجت من عنده أثبت ما ذكره، ولم أزل مترقباً به ذلك، فما تأخّر الأمر حتّى اعتل أبو جعفر فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها ودفن فيه (الغيبه: ٣٦٤/ ح٣٣٢) .
وروي بسنده عن محمّد بن علي بن الأسود القمي أن أبا جعفر العمري قدس سره حفر لنفسه قبراً وسواه بالساج فسألته عن ذلك فقال: للناس أسباب. وسألته عن ذلك فقال: قد اُمرت أن أجمع أمري فمات بعد ذلك بشهرين (رضي الله عنه وأرضاه) (الغيبه: ٣٦٥/ ح٣٣٣) .
وقال الشيخ الطوسي: وأخبرنا عن أبي محمّد هارون بن موسى (شيخ الطائفة في زمانه)، قال: أخبرني أبو علي محمّد بن همام (أشهر من أن يعرف) (رضي الله عنه وأرضاه) أن أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) جمعنا قبل موته _ وكنّا وجوه الشيعة وشيوخها _ فقال لنا: إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد اُمرت أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه وعوّلوا في أموركم عليه (الغيبه: ٣٧١/ ح٣٤١) .
وروى أيضاً بسنده إلى أبي إبراهيم جعفر بن أحمد النوبختي (قال): قال لي أبو أحمد ابن إبراهيم، وعمّي أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم، وجماعة من أهلنا _ يعني بني نوبخت _:
أن أبا جعفر العمري لمّا اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة، منهم أبو علي بن همام، وأبو عبد الله بن محمّد الكاتب، وأبو عبد الله الباقطاني، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي، وأبو عبد الله بن الوجناء وغيرهم من الوجوه والأكابر، فدخلوا على أبي جعفر رضي الله عنه فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عليه السلام والوكيل والثقة والأمين، فارجعوا إليه في أموركم، وعوّلوا عليه في مهمّاتكم فبذلك اُمرت وقد بلغت (الغيبه: ٣٧١/ ح٣٤٢) .
وقال الشيخ (قال ابن نوح): أخبرني أبو نصر هبة الله ابن بنت اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر، (قال): كان لأبي جعفر العمري محمّد بن عثمان العمري كتب مصنّفة في الفقه مما سمعها من أبي محمّد الحسن (العسكري) عليه السلام ومن الصاحب عليه السلام ومن أبيه عثمان بن سعيد عن أبي محمّد وعن أبيه علي بن محمّد عليهم السلام فيها كتب ترجمتها كتب الأشربة ذكرت الكبيرة اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنه أنها وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه عند الوصية إليه كانت في يده.
(قال أبو نصر): وأظنّها قالت: وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمري (رضي الله عنه وأرضاه) (الغيبه: ٣٦٣/ ح٣٢٨) .
وقال (قال أبو العبّاس): وأخبرني هبة الله بن محمّد بن بنت اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه عن شيوخه قالوا: لم تزل الشيعة مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد ومحمّد بن عثمان (رحمهما الله تعالى) إلى أن توفي أبو عمرو عثمان بن سعيد (رحمه الله تعالى)، وغسّله ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان وتولّى القيام به وجعل الأمر كلّه مردوداً إليه، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته لما تقدم له من النصّ عليه بالأمانة والعدالة والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن (العسكري) عليه السلام وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد لا يختلف في عدالته ولا يرتاب بأمانته.
والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمّات طول حياته بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره ولا يرجع إلى أحد سواه، وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ومعجزات الإمام ظهرت على يده وأمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذ الأمر بصيرة، وهي مشهورة عند الشيعة، وقد قدمنا طرفاً منها فلا نطول بإعادتها فإن ذلك كفاية للمنصف إن شاء الله تعالى (الغيبه: ٣٦٢/ ح٣٢٧) .
وقال الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة: ٣٥٣/ ح٣١٣) : فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأوّلهم: من نصّبه أبو الحسن علي بن محمّد (الهادي) العسكري، وأبو محمّد الحسن بن علي بن محمّد ابنه عليهم السلام وهو الشيخ الموثوق به أبو عمر عثمان بن سعيد العمري رحمه الله وكان أسدياً... إلى أن قال:
فأخبرني جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى، عن أبي علي محمّد بن همام الإسكافي، قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمي (السند والطريق كلهم من أعلام وأجلاء الطائفه) ، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمّد (الهادي) صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت فقول من نقبل وأمر من نمتثل؟ فقال لي (صلوات الله عليه): (هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه).
فلمّا مضى أبو الحسن (الهادي) عليه السلام وصلت إلى أبي محمّد ابنه الحسن العسكري عليه السلام مثل قولي لأبيه، فقال لي: (هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّى إليكم فعنّي يؤدّيه).
(قال أبو محمّد هارون): قال أبو علي: قال أبو العبّاس الحميري: فكنّا كثيراً ما نتذاكر هذا القول ونتواصف جلالة محل أبي عمرو.
وروى بسنده إلى محمّد بن إسماعيل، وعلي بن عبد الله الحسنيان، قالا: دخلنا على أبي محمّد الحسن عليه السلام بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته، حتّى دخل عليه بدر خادمه فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر، فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن...
(في حديث طويل يسوقانه) إلى أن ينتهي، إلى أن قال الحسن (العسكري) عليه السلام لبدر: (فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري).
فما لبثنا إلاّ يسيراً حتّى دخل عثمان فقال له سيدنا أبو محمّد عليه السلام: (امض يا عثمان فإنّك الوكيل والثقة المأمون على مال الله، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال...)، (ثمّ ساق الحديث) إلى أن قالا: ثمّ قلنا بأجمعنا: يا سيدنا، والله إن عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وأنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى، قال: (نعم واشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمّداً وكيل ابني مهديكم) (الغيبه: ٣٥٦/ ح٣١٧) .
وروى بسنده عن جماعة من الشيعة منهم محمّد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيّوب بن نوح (في خبر طويل مشهور) قالوا جميعاً:
اجتمعنا إلى أبي محمّد الحسن بن علي (العسكري) عليه السلام نسأله عن الحجة من بعده وفي مجلسه عليه السلام أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له: يا بن رسول الله، اُريد أن أسألك عن أمر
أنت أعلم به منّي، فقال له: (اجلس يا عثمان)، فقام مغضباً ليخرج فقال: (لا يخرجنَّ أحد)، فلم يخرج منّا أحد، إلى أن كان بعد ساعة فصاح عليه السلام بعثمان، فقام على قدميه فقال: (أخبركم بما جئتم؟)، قالوا: نعم يا بن رسول الله، (قال): (جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي)، قالوا: نعم. فإذا غلام كأنه قطع من قمر أشبه الناس بأبي محمّد عليه السلام، فقال: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وأنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه...) (الغيبه: ٣٥٧/ ح٣١٩) (في حديث طويل).
وقال (وأخبرنا جماعة)، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد قولويه، وأبي غالب الزراري، وأبي محمّد التلعكبري، كلّهم عن محمّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله تعالى)، عن محمّد بن عبد الله، ومحمّد بن يحيى عن عبد الله بن جعفر الحميري (والطريق كله من أعلام الطائفه وشيوخها) .
قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو عند أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري القمي، فغمزني أحمد أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمر إني اُريد أن أسألك وما أنا بشاكّ فيما اُريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلاّ إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت الحجة واغلق باب التوبة فلم يكن ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك أشرار من خلق الله عز وجل، وهم الذين تقوم عليهم القيامة.
ولكن أحببت أن أزداد يقيناً، فإن إبراهيم عليه السلام سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى فقال: ((أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)) (البقره: ٢٦٠) .
وقد أخبرنا أحمد بن إسحاق أبو علي عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته فقلت له: لمن أعامل وعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال له: (العمري ثقتي فما أدّى إليك فعنّي يؤدّي وما قال لك فعنّي يقول فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون).
(قال): وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمّد الحسن بن علي عن مثل ذلك، فقال له: (العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان)، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك.
(قال): فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثمّ قال: سل، فقلت له: أنت رأيت الخلف من أبي محمّد عليه السلام؟ فقال: إي والله ورقبته مثل ذا وأومأ بيديه، فقلت له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات هات، فالاسم؟ قال: محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن اُحلل واُحرم ولكن عنه عليه السلام فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمّداً عليه السلام مضى ولم يخلف ولداً وقسّم ميراثه وأخذه من لا حقَّ له وصبر على ذلك، وهو ذا عياله يجولون، وليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك (الغيبه: ٣٥٩/ ح٣٢٢) .
وروي عن جماعة، عن الصدوق، عن ابن هارون الفامي، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبي قال: خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري (قدس الله روحه) _ في التعزية بأبيه _ رضي الله عنه وفي فصل من الكتاب:
(إنا لله وإنا إليه راجعون، تسليماً لأمره، ورضاءً بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليه السلام، فلم يزل مجتهداً في أمرهم ساعياً فيما يقربه إلى الله عز وجل وإليهم، نضَّر الله وجهه وأقاله عترته...).
وفي فصل آخر: (أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء رزيت ورزينا وأوحشك فراقه وأوحشنا فسرَّه الله في منقلبه، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحم عليه.
وأقول: الحمد لله، فإن الأنفس طيبة بمكانك، وما جعله الله عز وجل فيك وعندك أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفّقك وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً) (الغيبه: ٣٦١/ ح٣٢٣) .
أقول: هذا طرف يسير مما ورد في النواب الأربعة في الغيبة الصغرى (٢٦٠_ ٣٢٩٠هـ)، ومنه تتنبه لمراد الشيخ الطوسي حيث يقول:
(وقد نقلت عنه (أي النائب الثاني) دلائل كثيرة ومعجزات الإمام ظهرت على يده وأمور أخبرهم بها عنه زادتهم (أي زادت الشيعة) في هذا الأمر بصيرة وهي مشهورة عند الشيعة) (الغيبه:٣٦٣) .
ولمراد الشيخ الطبرسي حيث يقول:
(ولم يقم أحد منهم (أي من الأربعة) إلاّ بنصّ من قبل صاحب الأمر عليه السلام ونصب صاحبه الذي تقدّم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلاّ بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام تدلُّ على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم) (الاحتجاج٢٩٧:٢) .
أقول: بل النائب الأوّل والثاني نصَّ عليهما الإمام الحسن العسكري عليه السلام كما تقدّمت الرواية التي رواها الطائفة عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، والنائب الأوّل كان وكيلاً خاصاً للإمام الهادي عليه السلام ثمّ للإمام الحسن العسكري عليه السلام ثمّ سفيراً للصاحب عليه السلام.
فلينتبه اللبيب إلى كيفية ثبوت سفارة النواب الأربعة وبدئها وانتهائها لدى الشيعة وأعلامها وشيوخها، وأن ذلك كان بحضور الإمام العسكري عليه السلام، ثمّ تنصيص كل على الآخر مع ما ظهر من البراهين والدلائل على أيديهم ومع مكانتهم العلمية والفقهية وجلالة محلّهم لدى علماء الطائفة.
                    *     *     *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رقعة لقضاء الحاجة

دعاؤه عليه السلام في الصلوات على النبي وآله (عليهم السلام) .

دعاؤه عليه السلام في الشدائد والمهمات المسمى بدعاء العلوي المصري.