فهوم العدالة يقلب إلى العصمة المكتسبة وذريعة التأويل

ومن الأغاليط التي يردّدها مدّعو المقامات والمنازل الروحية، هو تفسير العدالة التي هي ملكة الاجتناب عن المعاصي في السلوك العملي، بأن هذه الماهيّة هي عصمة مكتسبة، فيقلب عنوان العدالة إلى العصمة، وحيث لا يمكنهم دعوى أنها لدنّية بنصب من الشريعة، يختلقون لها مخرجاً كونها مكتسبة وأن العصمة قابلة للاكتساب، وليس بالضرورة أن تكون وهبية لدنية منه تعالى، وأن العصمة وإن كانت شرطاً في المعصومين الأربعة عشر (النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام)، إلاّ أن ذلك لا يعني حصرها فيهم، بل هي عامة قابلة للتحقق في نوع البشر بالاكتساب، وأن العصمة الاكتسابية يكفي فيها العصمة في العمل وإن لم تكن عصمة في العلم، أي يكفي فيها العصمة العملية دون أن تكون عصمة علمية، إلى غير ذلك من الإطارات التي يصيغونها قوالب لا تنطلي إلاّ على السذّج وعلى قليلي البضاعة العلمية.
مع أنه لو فرض اجتناب شخص عن المعاصي من لدن بلوغه إلى مماته فليس ذلك يخرجه عن حدَ العدالة، ويتجاوز به إلى حدَ العصمة، وأيّ فرق بين الماهيّتين والمعنيين حينئذٍ، ثمّ أنه كيف يعقل انفكاك العصمة العملية عن العلمية، وهل يعقل لمن يضلُّ الطريق أن تكون له عصمة يمتنع عليه الخطأ في العمل، مع أن علماء الإمامية في علم الكلام قد أشبعوا البحث في أن العصمة العملية وليدة العصمة العلمية، والعصمة تعني امتناع صدور المعصية من المعصوم وقوعاً، وإن لم تكن ممتنعة منه إمكاناً، وهذا بخلاف العدالة، فإنه وإن اجتنب المعاصي طيلة حياته إلاّ أنه لا يمتنع منه وقوع وصدور المعصية.
هذا مع أن العصمة تلازم الحجية الرسمية على الآخرين، فكيف يكون الشخص معصوماً ولا يكون حجة بذاته على الآخرين وينصُّ الشرع الحنيف على لزوم اتّباعه.
ومن هذه الدعوى يتطوّر الحال عند مدّعي المنازل الروحيّة إلى دعاوى أكثر فأكثر، ويتطوّر بهم الحال إلى مزالق يخالفون بها الضرورات الشرعيّة تحت ذريعة التأويل الذي يفتحون بابه تغطية لتلك المخالفات، كما حصل ذلك لكلّ الفِرَق التي انحرفت عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.
روى الكشّي بسنده عن الصادق قوله عليه السلام: (قوم يزعمون أنّي لهم إمام، ما أنا لهم بإمام، ما لهم لعنهم الله كلّما سترت ستراً هتكوه، هتك الله ستورهم، أقول كذا، يقولون إنما يعني كذا، إنما أنا إمام من أطاعني) (رجال الكشي ٢/ ٥٧٦-٥٩٥/ طبع مؤسسه أهل البيت عليهم السلام) .
وروي عنه عليه السلام (رجال الكشي ٢/ ٥٧٦-٥٩٥/ طبع مؤسسه أهل البيت عليهم السلام) أنه قال عن أبي الخطّاب _ الذي انحرف بعد أن كان من أصحاب السرّ كبلعم بن باعورا، حين دخل ومعه سبعون رجلاً _: (ألا اُخبركم بفضائل المسلم)، فلا أحسب أصغرهم إلاّ قال: بلى جُعلت فداك، فقلت: (من فضائل المسلم أن يقال: فلان قارئ لكتاب الله عز وجل، وفلان ذو حظّ من ورع، وفلان يجتهد في عبادته لربّه، فهذه من فضائل المسلم، ما لكم وللرياسات، إنما المسلمون رأس واحد، إيّاكم والرجال، فإن للرجال مهلكة، فإن أبي يقول: إن شيطاناً يقال له المذهب يأتي في كل صورة، إلاّ أنه لا يأتي في صورة نبي ولا وصي نبي، ولا أحسب إلاّ وقد تراءى لصاحبكم، فاحذروه، فبلغني أنهم قتلوا معه فأبعدهم الله وأسحقهم إنّه لا يهلك على الله إلاّ هالك).
محمّد السند (١١/ ذي القعدة/ ١٤٢٤هـ)
يوم ميلاد الإمام الرضا عليه السلام
                     *   *   *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رقعة لقضاء الحاجة

دعاؤه عليه السلام في الصلوات على النبي وآله (عليهم السلام) .

دعاؤه عليه السلام في الشدائد والمهمات المسمى بدعاء العلوي المصري.