أولا: الضرورة على انقطاع السفارة
وقد قامت الضرورة لدى الطائفة الإمامية على انقطاعها بعد الغيبة الصغرى بعد النائب الرابع علي بن محمّد السمري، حيث ورد التوقيع من الناحية المقدسة على يده: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية (التامة)، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله عز وجل، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفترٍ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم) (كمال الدين٥١٦:٢؛ غيبه الطوسي: ٢٤٢، ٢٤٣) .
إذ المراد بالمشاهدة هي الوساطة والتمثيل والاتصال الرسمي بالناحية المقدسة؛ لأنها ذُكرت في سياق قوله عليه السلام: (لا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية).

ثانيا: التشرف باللقاء والنيابة 
ويحصل الخلط بين تشرف جملة من علماء الطائفة، كالسيد ابن طاووس والعلامة بحر العلوم، وغيرهم من الصالحين الأتقياء، كما ذكر ذلك كلٌّ من الكليني في (أصول الكافي)، والصدوق في (كمال الدين)، والطوسي في (الغيبة) والنوري في (جنّة المأوى في من رأى الحجة الكبرى)، وبين ضرورة انقطاع السفارة والوساطة والتمثيل الرسمي بين الطائفة وبين الناحية المقدّسة، أي انقطاع التأدية منه إلى الناس، والتأدية من الناس إليه، أي لا يوجد شخص له صلاحية أن يؤدّي إلى الحجة عليه السلام رسائل الناس وأسئلتهم، ولا أن يؤدّي من الحجة عليه السلام كلامه إلى الناس، فليس هناك من له صلاحية هذه الموقعية من الوساطة والتمثيل الرسمي تحت أيّ عنوان كان، وتحت أيّ اسم، لا سفير ولا وسيط ولا نائب خاص، ولا يلتقي بالحجة، ولا على ارتباط به، ولا يحظى برؤيته، فيوصل الرسائل له، ولا غيرها من العناوين التي يتقمّصها الكثير من الدجّالين وذوي النصب والحيلة والأراجيف، طلاّب الرئاسة الباطلة الطامعين في حطام الدنيا، فلا صلة بين ظاهرة التشرف بلقاء الحجة عليه السلام، وبين صلاحية الوساطة وصلاحية الارتباط، فإن التشرف ليس له أيّ اعتبار شرعي للآخرين كطريق إلى البابية وغيرها من المسميات، ولا يتصف بأيّ سمة من معاني الحجية للآخرين، كباب ارتباط بالناحية المقدسة، فالتشرف ليس له أيّ أثر شرعي يترتب عليه عند الآخرين، كما أن الذي يتشرف به عليه السلام في الغيبة ينبغي أن لا يغلب على ظنه وخياله أن يخصص بتشريع غير ما هو عليه ظاهر الشرع المحمّدي عند الطائفة الإمامية، كما قال هو عليه السلام وآباؤه ما مضمونه: ما وافق كتاب الله تعالى وسُنّة نبيه صلى الله عليه وآله فقد قلناه، وما لم يوافق كتاب الله وسُنّة نبيه صلى الله عليه وآله فلم نقله (أو فهو زخرف، أو باطل، وغير ذلك، راجع: الكافي ٦٩:١/ باب الأخذ بالسنه وشواهد الكتاب) .
وكما أرجع هو عليه السلام في كثير من التوقيعات الصادرة منه في فترة الغيبة الصغرى، أرجع الرواة في أسئلتهم إلى ما روي عن المعصومين عليهم السلام من آبائه مما هو مودع في أصول ونسخ وكتب رواة الحديث لدى الطائفة الإمامية.

ثالثا: محدوديّة صلاحية النيابة 
إنّ هذا الحدّ والميزان ليس خاصاً بمن يتشرّف باللقاء فقط. بل هو يسري على النواب الأربعة في فترة الغيبة الصغرى أيضاً، فقد روى الشيخ في كتاب الغيبة (ص٣٩٠/ح ٣٥٧) أن النائب الثالث الحسين بن روح النوبختي جمع ما رواه عن رواة الأصحاب عن الأئمّة الماضين عليهم السلام، فعرض الكتاب على علماء ومحدّثي قم، فصحّحوا ما فيه عدا موضع واحد نبّهوه على الخلل فيه، وهو ما رواه في حدّ زكاة الفطرة.
فليس دأبه عليه السلام أن يظهر تأويل الكتاب قبل ظهوره عليه السلام على يد أحد، سواء في الغيبة الصغرى أو الكبرى، بل هذا مدّخر ومؤجّل إلى ظهوره، كما هو مفاد التوقيعات في الغيبة الصغرى الصادرة عنه عليه السلام، ومفاد الروايات المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمّة عليهم السلام من آبائه، أنه يحيي الكتاب ويقيمه بعد ظهوره، وكذلك سُنّة النبي صلى الله عليه وآله ودارس حكم النبيين.
                        *  *  *

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رقعة لقضاء الحاجة

دعاؤه عليه السلام في الصلوات على النبي وآله (عليهم السلام) .

دعاؤه عليه السلام في الشدائد والمهمات المسمى بدعاء العلوي المصري.